خذوها مني وارموها في البحر، أو خذوها مني وأعيدوها إليّ، أنتم وضمائركم: «ستتغير الخارطة التجارية الحالية في الكويت تغيراً جذرياً، وستختفي بعض الأسماء وستتبدد كالرذاذ، وستحل محلها أسماء لم يكن لها إعراب تجاري من قبل، بسبب قانون الخصخصة، وبسبب الرقابة الهشة التي ستسمح للشركات بالدوران على حل شعرها بلا رقيب ولا عريف. وستنتقل كفة القوة من الأسرة الحاكمة إلى الأسر التجارية الصاعدة المتوحشة». وأدي دقني جاهزة للحلاقة بلا معجون ولا عطر «أفتر شيف». فكما اختفت أسماء أسر تجارية قرأنا وسمعنا عنها، وسيطرت أسماء أخرى، بعد موت أبي الدستور الشيخ عبدالله السالم، ستختفي غداً بعض الأسماء الحالية وستظهر أسماء جديدة بدلاً منها.

Ad

ولا نحتاج إلى قارئة فنجان، أو ضاربة ودع، أو منجّمة أبراج، أو أي مشعوذة مهما كان مسمّاها الوظيفي كي تتنبأ لنا بأسماء التجار الجدد والبُدد (أي البائدين)، فكل من يتحكحك اليوم بجدران مجلس الوزراء سيحلّق مع النسور في عالم المال والأعمال، وسينافس «آيات الله الإيرانيين» بالثروة والسلطة والجاه، وستنتشر شركاته القابضة والخانقة والعاصرة في أرجاء البلد، أما التاجر الذي ينهبل ويمشي على القانون ما يلخبطوش، ويحترم نفسه ووطنه وشعبه، فسيصبح «عزيز قوم...»، وسيقول على طريقة «باي تونس»: «هذه ليست الكويت، وهؤلاء ليسوا الكويتيين». وكان الاحتلال العثماني قد ولّى على تونس عميلاً تونسياً لُقّب بـ»الباي»، وعلى الجزائر عميلاً جزائرياً لُقّب بـ»الداي»، ولا أدري ما معنى الباي ولا الداي، ولا يهم. ما يهم هو أن الأستاذ الباي ودّى تونس في الباي باي، وعاش ولا القياصرة، وترك الشعب يطبخ التراب ويأكل الهواء، مرة مطبوخاً وأخرى مسلوقاً، وأعدمَ وعذّبَ وسجنَ معارضيه تحت شعار «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ». وعاشت تونس تحت عصاه ليلاً طويل القامة، إلى أن نجح انقلاب بورقيبة. عندها أُصيب أخونا الباي بلحسة في مخه، وراح يمسح دموعه ويهذي: «هذه ليست تونس، وهؤلاء ليسوا التوانسة».

ولم يكن بيني وبين الخصخصة عداوة ولا محبة، حالها عندي حال بقية الأشياء، إلى أن قضيت اليومين الماضيين بالتنقل بين ذوي الدراية، أخرجُ من بيت هذا إلى ذاك، ومن مكتب ذاك إلى ذياك، فاتضحت لي الصورة بلا رتوش، فعدت إلى بيتي مهرولاً، واحتضنت أطفالي، وقلت لهم بفحيح «بعد عشر سنوات ستسألوني وسأجيبكم: كانت الكويت دولة رفاه، كما أراد لها عبد الله السالم، وكان الشعب يشارك الأسرة الحاكمة الحكم عبر برلمانه، فلعبت الحكومة ونوابها لعباً محرّماً، فاختفى الرفاه، وتلاشى البرلمان واختفى، واختفى معه حكم الأسرة الحاكمة الفعلي، وبقي في البروتوكولات، واختفت كويت عبدالله السالم، وأصبح التجار قسمين (آيات وبايات)، ويا ويلكم من سطوة وجشع وعنف غالبية الآيات، تجار الخصخصة، ويا سواد ليلكم. الفاتحة على أرواح الضعفاء والبسطاء».