تصريحات الوزير الدكتور فاضل صفر بأن نظام البصمة هو الكفيل بجعل رواتب موظفي البلدية حلالاً تفتح قريحة النقد على الأداء الحكومي من أوسع الأبواب، فإذا كان للالتزام بالحضور والانصراف مسؤولية كبيرة يتحملها الموظف الحكومي فإن مجرد التبصيم في الصباح والظهر لا يعني تحقيق الإنجاز المتوقع في أجهزة الدولة، فتبعاً لتقديرات وزارة التخطيط ومنظمة العمل الدولية لا تتجاوز إنتاجية القطاع العام في دولة الكويت عشرة في المئة، وهي دلالة خطيرة على حجم المأساة التي تعانيها الإدارة الحكومية، ومؤشر واضح لقياس حقيقة الراتب الحلال الذي يتقاضاه الجيش البيروقراطي في هيئات ومؤسسات الدولة.

Ad

فقضية العمل في القطاع الحكومي وعلى مدى نصف قرن تحولت إلى ثقافة مجتمعية تحت إشراف مؤسسيّ رسميّ بأن معاشات المواطنين هي جزء من سياسة توزيع الثروة المالية، ولم ترتبط مستويات الأداء والإخلاص في العمل بنظام الترقيات والتدرج في تولي المناصب القيادية ولا حتى في صرف المكافآت الإضافية والأعمال الممتازة، وللوزير صفر وزملائه في مجلس الوزراء أن يقيّموا حجم الهدر في الأموال العامة، وما تم صرفه على امتداد عقود من الزمن من مبالغ دون وجه حق، ونبتت لحوم وعظام أجيال متعاقبة من خيرها.

أما محاولة الوزير صفر التفرد في تطبيق هذا المبدأ الجديد على العاملين في الإدارات التابعة له خصوصا البلدية ورغم «بلاوي» هذا المرفق، فهي أحد أوجه الخلل والفساد في الإدارة الحكومية برمّتها، فمدخل الإصلاح لهذه الإدارة البالية التي نخر فيها كل أشكال الانحراف يتطلب انتفاضة شاملة من قبل مجلس الوزراء لتصحيح مساراتها، وكان حرّياً بوزير البلدية، وانطلاقاً من التضامن الحكومي، أن يقاتل من أجل تعميم إجراءات الضبط والربط في كل أجهزة الدولة ومؤسساتها على حد سواء، إضافة إلى إحكام سياسة الترقيات والتدرج الوظيفي ووضع نظام نمطي ومعياري لتقييم الأداء وإعداد التقارير السنوية لإنتاجية الموظف والأهم من ذلك تطبيق مستوى أداء الوكلاء والوكلاء المساعدين، ومن في حكمهم وقدرتهم على تطوير الإدارات التابعة لهم في ظل عدد من الاقتراحات بقوانين التي قدمها النواب قبل سنوات وتحولت إلى «مخلل في الأدراج الحكومية»!

وليعلم الوزير بوعبدالله بأن الاجتهادات الفردية، ومهما كانت مميزة وجريئة فإنها ترحل مع رحيل الوزير المختص، وله أن يراجع سنن التاريخ في الوزارتين التابعتين له فقط ليدرك هذه الحقيقة المرة.

وقضية أن يكون الراتب حلالا في النهاية لا تكون بالبصمة فقط لأنها قد تتحول إلى أقصر طريق لإبراء الذمة وعودة البطالة المقنعة، حيث تمتلئ المكاتب بموظفين، الكثير منهم يفتقرون حتى إلى طاولات وكراس يجلسون عليها، فالإدارة الحكومية تتطلب منظومة من التأهيل والتطوير والتدريب وإعادة التوصيف الوظيفي، وتحديد مهام العمل لكل موظف، والارتقاء بمستوى كفاءة الأداء، عندئذ يمكن أن نقول إنه آن الأوان بأن يحلل كل موظف راتبه ويعيل أسرته، وهو مرتاح الضمير والوجدان.

أما الرسالة الأخرى ولعلها الأهم التي نحمّلها للدكتور صفر فيما يتعلق بالحلال والحرام وحرمة الأموال العامة، فهي الكم الهائل من التجاوزات والسرقات والهدر وبمئات الملايين من الدنانير التي تعج بها تقارير ديوان المحاسبة، ولا يتحرك لها جفن في مجلس الوزراء، وكان شاهداً عليها رغم تجربته القصيرة في الحكومة، ومنها فضائح المصفاة الرابعة والداوكيميكال ومشروع المدينة الجامعية ويافطات انتخابات 2008 وغيرها التي تقدر بالمليارات من الأموال العامة، وفي كل مرة تخرج الحكومة بمواقف متناقضة ولكنها «متضامنة» حول سلامة هذه الإجراءات وأوجه صرف تلك الأموال، ونوعيات مثل الدكتور فاضل صفر في الحكومة يفترض أن تكون مسؤولياتها مضاعفة ودورها أكثر بروزاً وتصديها داخل أروقة الحكومة أكثر جرأة وبصمتها أكثر وضوحاً!!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء