قرأت باستمتاع اللقاء الشيق الذي أجرته صحيفة «القبس» منذ يومين (28 سبتمبر) مع الدكتور عبدالرحمن العوضي- وزير الصحة ووزير التخطيط الأسبق- في صفحة استراحة، وقد كان اللقاء بحق استراحة لطيفة تجوَّل فيها الضيف عبر مختلف محطات تاريخه الشخصي والمهني، وتمنيت لو خرجت من اللقاء بنفس المتعة التي غمرتني حتى منتصفه، لولا رد للدكتور حول موقفه من مسألة «البدون» والتجنيس قال فيه: «لماذا وكيف نجنس مائتي وخمسين ألف شخص؟ التجنيس العشوائي يؤدي بالبلد إلى المصيبة الكبرى، فهؤلاء الذين لا أصول ولا قواعد لهم، يريدون التجنيس وهم يشكلون خطرا لن ننتهي منه»!

Ad

كنت أعرف مسبقا موقف د. العوضي من مسألة «البدون»، ولم أكن لأصادر حقه في اتخاذ الموقف الذي يراه صحيحاً لمجرد أنه لا يوافق توجهي، ولكنني أستغرب أن يعبر الدكتور عن ذلك بهذه الطريقة المغلوطة.

أولاً، وبحسب المعلومات المتاحة للجميع، والتي لا أظنها خفيت على د.العوضي، فعدد البدون المسجلين اليوم لا يصل إلى هذا الرقم المهول الذي جاء به، بل حتى لا يصلون إلى نصفه، وبالتالي فإن إلقاء هذا الرقم الضخم بهدف تهويل القضية ليس من الموضوعية ولا من الإنصاف الأكاديمي الذي أؤمن بأن الدكتور العوضي يتحلى بهما.

ثانيا، لا أحد، حتى أكثر المتحمسين لحل قضية البدون، يطالب بالتجنيس العشوائي، بل إن هذا المصطلح بذاته غير مقبول لا منطقا ولا موضوعا، ولا يمكن قبوله من أحد!

ثالثا، لم أكن أتصور أن تبدر من د. العوضي، وهو من هو بمكانته وعلمه وأدبه الجم الذي لمسته شخصيا حيث التقيت به واقتربت منه في أكثر من نشاط في الجمعية الطبية، أن تبدر منه مثل هذه العبارة العنصرية البغيضة فيقول إن «هؤلاء لا أصول ولا قواعد لهم». وأنا وإن كنت لا أدري ما الذي يقصده بقوله «لا قواعد لهم»، ولن أغامر لذا بمحاولة تفسيرها حتى لا أعرض نفسي للوقوع في ما لم يقصده، فإنني أعرف بأن معنى قوله «لا أصول لهم» واضح لا يحتمل اللبس.

يا ترى ما كان سيكون شعور وموقف د.عبدالرحمن العوضي لو أن أحدا لمزه بأصله، فشكك به، وجعل وطنيته وانتماءه لهذا الوطن مرتبطين بما جاء في آخر اسمه؟!

إن الانتماء إلى الأوطان وحبها على ميزان المواطنة الصالحة لا علاقة له بالأصول والأسماء، فكم رأينا من أشخاص يحملون أسماء عريقة باعوا وطنهم وخانوه ولا تزال أياديهم ملوثة بذلك، وكم رأينا من هم من غير ذلك ممن افتدوا وطنهم بجهدهم ووقتهم ودمائهم وأرواحهم.

إن فسيفساء الأصول المتنوعة لم يضر يوما بأي مجتمع مدني، ولنا في كثير من الدول عبرة كالولايات المتحدة وسنغافورة وغيرهما، بل لنا في الكويت نفسها مثال قبل عقدين من الزمان، ناهيك عن حقيقة أن كثيرا من «البدون» يعودون إلى نفس الأصول والعشائر والقبائل التي يعود إليها الكويتيون أنفسهم، فلماذا هذه المغالطة وهذا التجني وهذه الإساءة الجارحة؟!

أستاذي د. عبدالرحمن، وأنت من قلت في أواخر ذاك اللقاء بأنك عاطفي جداً تبكي كثيرا لأنك لا تتحمل منظر الحرمان، دعني أسألك بالله: ألا يجرح إنسانيتك منظر الحرمان والعذاب الذي يعيش فيه «البدون»، بشيوخهم ونسائهم وأطفالهم وشبابهم المحرومين من أبسط مستحقات الحياة الكريمة منذ سنوات طويلة، أم أن هؤلاء ليسوا ببشر، وليسوا ممن يستحقون الشفقة، وليسوا ممن يثيرون عاطفتك ويستدرون دموعك؟!

سيدي العزيز، وأنت من قلت إن طموحك أن يستقر أولادك في حياتهم وأن يستقر البلد، كيف لا ترى أن حل مشكلة «البدون»، وإنهاء هذه المأساة الإنسانية الكبرى، سيكون له أثر بالغ على استقرار البلد، على الصعيدين الاجتماعي والأمني على الأقل؟

يا ليتك أستاذي كنت من المساهمين في حل هذه المشكلة، ولو بلسانك، أو حتى بقلبك، وذلك أضعف الإيمان!