لازم دايخ
صدق أو لا تصدق، الحكومة العراقية تعد مشروع قانون لمنع التدخين في البلاد. ويتضمن مشروع القانون منع التدخين في المقاهي والأندية والمطاعم والمكاتب الحكومية والخاصة. وفي القانون غرامات تتراوح ما بين 2500 إلى 4274 دولاراً (5 ملايين دينار عراقي).
بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، فإن 41 في المئة من الذكور العراقيين و7 في المئة من الإناث هم من المدخنين. وفي ظني أن تلك الإحصائية هي أقل من الواقع. فالشعب العراقي يتسم بشراهة تدخينية ملحوظة، بل إنه يفضل الدخان الثقيل الذي «يحرق» الصدر، ولا يتعامل مع السجائر الخفيفة، فهموم الحياة الحارقة لا تفيد معها «اللايت»، بل يستمتع البعض بتدخين «اللف» دون فلتر، الحياة قاسية، وهكذا يجب أن يكون دخاننا. من الأمور العادية مثلاً أن تقود السيارة مسافة طويلة في الصحراء، وحين يصادفك «كشك» صغير من الطوب، في منتصف اللامكان، تكتشف أنه يبيع السجائر فقط، لا ماء ، ولا بارد، ولا حتى حامض حلو ولا شربت. وأتذكر أنه خلال فترة الغزو، كان من ضمن مكوناته غزو كاسح لنا بأنواع غريبة عجيبة من السجائر، ماركات تم تصنيعها على ظهور المراكب في عرض البحر أو النهر لا فرق. وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد تم إدخال سجاير ماركة ماربد، وهي غير موجودة إلا في مخيلة من صنعها، ولكن غلافها الخارجي صُمِّم لتبدو كأنها مارلبورو، حتى إن أحد الأصدقاء المدخنين انخدع باللعبة واشترى كمية كبيرة من «الكروزات»، ليكتشف لاحقاً أنها مختلفة الطعم، عن سيجارته المعهودة، بل أصيب بالذهول عندما بدأت في منتصف الاشتعال تطلق صواريخَ صغيرة لأنها ملأى بنشارة الخشب.وقد بلغت شدة تمسك أغلبية العراقيين بالتدخين درجة أنّ هناك من يقول إن أحد اسباب انحسار تنظيم القاعدة، أن الموالين للتنظيم حاولوا منع التدخين في المناطق التي سيطروا عليها، فخلقَ المنعُ أجواءً معادية للتنظيم. أما في البرلمان الذي يمنع التدخين داخله، فيهرول المدخنون من النواب أثناء الاستراحة إلى خارج القاعة لنفخ نفخة لعلها تنجلي. أحد باعة السجائر من كبار السن علق أنه لا يخشى أي تراجع في تجارته، ويقول كيف يطبقون هذا القانون وهم لايستطيعون حفظ الأمن؟ سؤال وجيه، ومنطقي.النقيب لازم دايخ، وهذا اسمه الحقيقي وليس فعله أو صفته، قاد أخيراً عملية سطو على مصرف الرافدين في حي الكرادة ببغداد، وظفر مع مجموعته بما يزيد على 5 ملايين دولار. واتضح لاحقاً أنه من الأمن الخاص بنائب الرئيس العراقي. وقد قُبِض على المجموعة، إلا لازم دايخ، الذي تمكن من الهرب خارج البلاد. العملية تمت بكل هدوء، وعلى الرغم من أنّ حرس المصرف لم يقاوموا العصابة، فإنه تمت تصفيتهم برصاصة في رأس كل واحد. وقد وجدت آثار أعقاب سجائر حول جثث الضحايا اتضح فيما بعد أنّ الجناة والضحايا كانوا يدخنونها قبل التصفية.لو نجح منع التدخين في العراق، لَعُدَّ ذلك خطوةً تاريخية، قد تعادل انسحاب القوات الأميركية. ولا عزاء لنا في الكويت فالقانون قد صدر منذ سنوات، وأول من يخرقه هم رجال الأمن، ومن لديه أي شك في ذلك فليذهب إلى المطار، فالعرض مستمر وبدون توقف. فالقوانين تصدر ولا تطبق وإن طبقت فبانتقائية، وربما يجب علينا أن ندقق في أسماء الداخلين إلى البلاد فقد نجد من بينهم شخصاً يدعى لازم دايخ، وإن كنت أظن أن صفة «اللازم دايخ» ملازمة لمسؤولينا منذ زمن طويل، ولا حول ولاقوة إلا بالله.