على الأقل يبدو الأمر أشبه بهدنة، فعلى مدى العامين الماضيين، أدى الصراع السياسي في باكستان إلى تأليب كبير القضاة وزعيم حزب المعارضة الرئيس ضد حزب الشعب الباكستاني والرئيس آصف زرداري. واليوم، بعد تعقيدات الدقيقة الأخيرة، بات دستور مُعدّل يتضمن (105) بنود وإضافات وإلغاءات، جاهزاً للمصادقة من قبل أغلبية تشكل ثلثي أعضاء مجلسي البرلمان. لم يسبق أن كان الإجماع السياسي حاضراً بهذه القوة، وذلك منذ عام 1973 حين صيغ الدستور الباكستاني.        

Ad

يعود بعض الفضل إلى الرئيس المشكوك في مصداقيته، فقد تخلّى زرداري عن صلاحيات تعيين أو صرف رؤساء وزراء، ورؤساء دوائر ومؤسسات الدولة والقضاة، ووافق على إلغاء القيود التي تحد رؤساء الوزراء بولايتين، ممهداً بذلك الطريق أمام نواز شريف، زعيم المعارضة، لشغل منصب رئاسة الوزراء مجدداً، ومنح كبير القضاة حق الاعتراض على تعيين زملائه القضاة.  

لكن إن كان الباكستانيون والمجتمع الدولي يظنون أن ذلك سيؤدي إلى الاستقرار السياسي والحكم الرشيد، فقد يخيب أملهم، فعلى الأرجح سيحث شريف على إجراء انتخابات لمنتصف الولاية بينما تحاول المحكمة العليا "النيل من زرداري"، وهكذا فإن التعقيدات تستحق أن تُتّخذ كنذير شؤم.  

أرجأ شريف توقيع التعديل إلى أن واقفت الحكومة على منح كبير القضاة صلاحيات الاعتراض على لجنة مقترحة لتعيين قضاة، ومن ثم تغيّب شريف وشقيقه شهباز شريف، رئيس وزراء حكومة إقليم البنجاب، عن الجلسة البرلمانية التي اقتُرح التعديل خلالها، فضلاً عن حاكم إقليم السند، عشرت العباد خان. ينتمي هذا الأخير إلى الحركة القومية المتحدة، المتحالفة مع حزب الشعب الباكستاني في الحكومة الفدرالية وحكومة السند. قد يكون لذلك عواقب على التحالف. ففي العام الماضي، رفضت الحركة القومية المتحدة دعم محاولة زرداري الحصول على الحصانة لنفسه ولغيره من النافذين في حزب الشعب الباكستاني من قضايا فساد رُفعت قبل عقد من الزمن، بينما استقال الأسبوع الماضي المدعي العام، أحد الداعمين السابقين للحركة القومية المتحدة، تاركاً زرداري في مهب الريح.

يبدو أيضاً أن المحكمة العليا وحزب الشعب الباكستاني متجهان نحو الصدام في قضية غسيل أموال ضد زرداري وزوجته التي اغتيلت، بنازير بوتو. فالمحكمة تطالب بإعادة فتح ملف القضية، بينما تعهّد حزب الشعب الباكستاني بوقف ما يُسمّى بمحاولة "نبش قبر زعيمته الشهيدة، بنازير بوتو".

في الوقت عينه، سيركّز شريف اهتمامه على الأرجح على الويلات الاقتصادية في البلاد، مثل التضخم الذي تبلغ نسبته 25%، والنقص الحاد في مصادر الطاقة، والاعتصامات. يُتوقع إعداد ميزانية في يونيو لابد من أن تستوفي شروط قرض من صندوق النقد الدولي صودق عليه في عام 2008، الأمر الذي قد يحدث بلبلة عارمة لتغيير الحكومة.