داخلنا ما يفضحنا... ما يسقط أقنعتنا... وما يديننا ويعرّينا ويكشف عوراتنا.

Ad

داخلنا مسرح جريمة مكشوف والأدلة على إدانتنا ملقاة على سطح المسرح، وظاهرة لكل شاهد عيان، ولكل عابر سبيل.

تطالب بعض الأصوات هنا بكشف «مزدوجي الجنسية»، بينما لا أحد يرفع صوتا لفضح «مزدوجي الشخصية»، وهي أشد فتكاً فينا، وأبلغ ألماً.

نحن قوم لا نخجل!

نحارب ضد ما نعتقد أنه خطأ ونمارس في حربنا ضد هذا الخطأ نفس هذا الخطأ!! والغريب اننا لا نلحظ ذلك، وحتى لو انتبهنا لا يحرك ذلك فينا شعرة، ولا نصاب بالصدمة خجلا من فعلتنا، بل اننا نكابر ونبحث عن المبررات لسوء فعلتنا، في الوقت الذي نعمل فيه جاهدين على تفنيد مبررات الآخر الذي يمارس نفس الذنب.

والمضحك أننا نسمي ما نقترفه- في حال اعترفنا بذنبنا- خطأ غير مقصود، ونسمي ما يقترفه الآخر خطيئة لا تغتفر حتى وان تطابق السلوك!

أحد الشعراء الذين أحبهم لجمال روحهم قبل جمال شعرهم، دائما ما استسخف أولئك الشعراء الذين يمجدون قبيلتهم ويفخرون بها، ويثيرون العصبيات ويؤلبونها، ولطالما وصمهم بقلة الوعي والإدراك، ولطالما رأى أن هذا السلوك لا يليق بشاعر معاصر ولا حتى بإنسان متحضّر، يعيش ضمن دولة مدنية حديثة، ذات نسيج يضم مختلف القبائل والمذاهب وحتى الديانات، وكان يردد أنه لو أراد أن يحذو حذوهم لطاب له أن يفتخر بنسبه الذي ينتهي بكذا، وأصله الذي ينتهي بالقبيلة الفلانية، ومن ثم يسهب في نسبه وأصله وفصله، وأمجاد قبيلته، وعلو كعب نسبه، ولا بد أن يعرّج على هجرات عائلته العريقة في أرجاء الدنيا، وكيف تبوأوا أعلى الأماكن في البلدان التي هاجروا إليها، ومن ثم أسماء بعض العوائل الكبيرة في أرجاء المعمورة التي تنتمي إلى شجرة نسبه، ولا يكاد ينتهي الحديث أبدا عن نسبه!! وكان هذا ديدنه في كل مرة يثار فيه موضوع العصبية القبيلة، وهذا شأنه في الرد على منهجهم.

قلت له ذات مرة ألا تلاحظ أنك تنتقد أولئك الناس لنفس السبب الذي تمارسه أنت الآن، وترتكب نفس الخطأ لتكشف خطأهم؟! ألا ترى في ذلك ازدواجية وتناقضا في موقفك؟!

قال: إن ذلك مجرد رد فعل!!

قلت له: وردك هذا مجرد تبرير، لا ينفي اقترافك نفس الإثم، ولا يلغي ارتكابك نفس الخطأ، والمسألة أساسا عند نقاش أي سلوك ليست البحث في مبرراته، وإنما بحث السلوك نفسه.

إننا غالبا ندين سلوك الآخر بممارسة السلوك نفسه بدون أن نشعر، فنجد أن من يتهم طرفا بمصادرة الرأي الآخر، يقاتل من أجل إخراس صوت ذلك الطرف، ونرى من يحارب الدكتاتورية بدكتاتورية مضادة، ونجد من يناهض من أجل الحرية، عن طريق تضييق حرية الآخر... وهكذا.

فبدلا من أن يأخذ المصيب بعقل المخطئ (ان كان له عقل) ليخرج من مكانه المظلم المعتم، إلى حيث النور وساحة أصحاب العقول، نجد أن المخطئ هو من يجرّ المصيب إلى جحره الضيّق المظلم العفن، وهكذا تتسع دائرة الخطأ إلى أن يصبح ذلك الخطأ عن طريق انتشاره هو... الصواب!!!