منذ العام الماضي وأنا أتابع مسألة العملة الخليجية الموحدة، وبعد أن تم توقيع الاتفاقية قبل ثلاثة أيام من دون عمان والإمارات، أجد من الضروري أن يكون لمجلس الأمة دور في هذه القرار الحساس والخطير، خصوصا أن للمجالس التشريعية دورا في التصديق عليه بعد توقيع الحكومات حسب تقرير أوردته «الجريدة» في 4 مارس 2009.

Ad

قد يكون من أبرز إيجابيات العملة الموحدة احتمال تسعير بترول المنطقة بالعملة الموحدة حسب دراسة مركز دبي المالي العالمي (الجريدة 15 مارس 2009)، وهو أمر مشكوك في حصوله بعد انسحاب الإمارات من الاتفاقية، وهي ثاني قوة اقتصادية في مجلس التعاون. وفي الوقت نفسه هناك الكثير من علامات الاستفهام والتحديات التي يواجهها هذا المشروع.

فقد كتب أندرو كاننغهام المدير الإداري لفاينانشال سيرفيس فولانتير كوربس مقالا في الفاينانشال تايمز ترجمته «القبس» في 24 يناير 2009 يتساءل فيه عن رغبة دول مجلس التعاون في فك ارتباط العملة الجديدة بالدولار، لأن كل دول المجلس عدا الكويت لديها عملة موحدة حاليا وهي الدولار، بسبب ارتباط عملاتها بالأولى. ويضيف كاننغهام بأن السياسة النقدية الجديدة ستكون محكومة باقتصاد السعودية والإمارات (قبل انسحابها)، ويعني ذلك أن أي فورة غير طبيعية تشهدها السعودية سيؤدي إلى ارتفاع الفائدة، وسيطبق ذلك علينا في الكويت حتى إن كانت ظروفنا مختلفة.

كما يقول بأن السلطة النقدية الخليجية ستسعى وراء الحصول على سلطات أوسع تتعدى فيها على حرمة الرقابة المصرفية داخل الدول الأعضاء، وذلك لمحاربة الفقاعات في العقار مثلا، وهنا أتساءل: هل نحن مستعدون لهكذا تدخل؟!

وفي دراسة أخرى، يقول أ.د.محمد السقا من جامعة الكويت إن العملة الموحدة بحاجة لتكامل اقتصادي بين دول مجلس التعاون، وهو أمر تحقق بشكل محدود جدا إلى الآن، ويضيف بأن العملة الموحدة ستفرض قيودا على السياسة المالية للدول وعجز ميزانياتها من خلال الرقابة على الإنفاق العام، وهو ما يعوق الدول من استخدام السياسة النقدية والمالية لمعالجة فترات هبوط أسعار النفط (القبس 29-11-2008). فتخيلوا معي أن أي إنفاق في مجال المشاريع الكبرى والتنمية التي يطالب بها الجميع هذه الأيام قد يكون تحت نظر وتحكم البنك المركزي الخليجي! فهل سنقبل بهكذا وضع؟َ!

إضافة إلى ذلك كله- وهنا مربط الفرس- إن إقامة مثل هذا المشروع بحاجة إلى تشابه الأنظمة الحاكمة وليس فقط الاشتراك في اللغة والعرق، فالاتحاد الأوروبي فرقته اللغات والأعراق لكن وحده تشابه الأنظمه السياسية لأن كل الدول المنضوية تحت ظل الاتحاد وعملة اليورو يحكمها نظام ديمقراطي. أما عندنا فنحن الدولة الوحيدة نسبيا- من بين الدول الأربع المشتركة في هذا المشروع- يحكمها نظام ديمقراطي وبرلمان ذو صلاحيات واسعة وفعلية لا شكلية.

ومن هنا من يضمن لنا أن تكون سياسة صرف العملة الموحدة والسياسة النقدية محكومة بقرار اقتصادي لا سياسي كما هو معمول حاليا، بدليل إصرار دول بقية دول مجلس التعاون على ربط عملاتها بالدولار إلى الآن بالرغم من كل السلبيات التي صاحبت هذه السياسة، خصوصا في الأعوام الأخيرة، ولكن لأن لدينا برلمانا مؤثرا في القرار تراجع البنك المركزي الكويتي عن هذا القرار السياسي بامتياز وربط الدينار بسلة عملات، وهو بالمناسبة قرار وجه «ضربة قاسية للاتحاد النقدي الخليجي والعملة الخليجية» بحسب ما ذكره تقرير مركز دبي المالي العالمي الذي سبق أن أشرت إليه، والذي يقول أيضا إن سياسة ربط العملات الخليجية بالدولار ظل مرتبطا بالضرورة بمجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، وليس بالظروف المحلية أو بسياسة مشتركة!

إن كل المخاوف وعلامات الاستفهام السابقة تتطلب أن تستدعي اللجنة المالية بالمجلس محافظ البنك المركزي لاستيضاح كل هذه الأمور حتى يكون للنواب موقف من هذا القرار، خصوصا بعد انسحاب الإمارات من المشروع، مما يلقي بظلال الشك حول قابلية نجاحه وتحقيق الأهداف المرجوة منه. فليس من المعقول أن يغفل المجلس عن قضية استراتيجية وخطيرة بهذا الحجم ومتعلقة بشكل مباشر بمعيشة المواطنين والأجيال القادمة وينشغل بتوافه الأمور والمعارك الشخصية التي يبدو ألا نهاية لها!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء