وقفة مع بن باز
ليس المعني بالعنوان أعلاه الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، إنما ابنه الشيخ أحمد بن باز الباحث في الشؤون الإسلامية، والمعيد في كلية أصول الفقه سابقا، والذي لم أكن أعرف الكثير عنه حتى شاهدت له أخيرا على موقع "اليوتيوب" لقاء حديثا في برنامج "إضاءات" الذي يقدمه الرائع تركي الدخيل، الذي ينتقي بعناية ضيوفه ليستخلص منهم، وبمهارة نادرة، خلاصة فكرهم وتوجهاتهم الظاهرة والمخفية، فلا ينتهي وقت برنامجه الجميل إلا وقد أفرغ كل ما يدور في رأس الضيف، وما يعتمل في قلبه!ما قاله أحمد بن باز في لقائه مع الدخيل مبهر حقا، ويدل على أن هناك أملا بالتغيير نحو الأفضل في الخطاب السلفي بوجود مزيد من الدعاة الشباب على شاكلته ممن يتبنون نفس منهجه الواقعي في تفكيره والمعتدل في طرحه، والذي يحترم المخالف ويتقبل رأيه مهما كانت درجة خلافه معه، وهو ما كنا نتأمل وجوده دائما في التيار السلفي أو الوهابي كما يحلو للبعض تسميته، ولعل البداية ستكون على يد هذا الشاب الذي يبشر بالخير.
ذكر الشيخ بن باز نقاطا مهمة خلال اللقاء سأحاول تلخيصها هنا قدر الإمكان:- ما نشهده اليوم في العالم الإسلامي مصيبة علينا أن نصحو منها، ونقول للإقصائي إنه يقترف ذنبا حين يقصي كل مخالف ومجتهد، فهناك حقيقة اسمها الخلاف واحترام وجهات نظر المخالفين، والخلاف سنة كونية علينا الإيمان بها، كي لا نستمر متأخرين وراء الركب بسبب التضييق والتحجير على عقول الناس. - المسلمون اليوم يعيشون حالة المتلقي والمستهلك، منتظرين ما يجود به الغرب الذي تسيد العالم بقدرته على الإبداع، فيما نقف نحن ننتظر ظهور هذه الإبداعات لنسأل: هل هي حرام أم حلال؟! - هناك فوضى فتاوى نعيشها اليوم، فالكل تجرأ على الفتيا واستباح حماها، ولعبت الفضائيات دورا كبيرا في ذلك فأصبح من هبّ ودبّ يجلس خلف الشاشة يفتي بما شاء بغير علم، وصار الناس يسألون عن كل مسألة تافهة دون أن يتعودوا الثقة بعقولهم وإيمانهم وقدرتهم على الفهم والاستنتاج كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "استفت قلبك".- ما زلنا محكومين بمصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان، مثل بلاد الشرك وبلاد الإسلام وغيرها من مصطلحات تفرق بين الناس والأمم، وضعها القدماء لأنها تصلح في زمانهم، لكن الآن تغيرت الأوضاع في العالم بتغير مفهوم الدولة.- نحن بحاجة للمفكرين والمربين أكثر من حاجتنا للمفتين!- هناك انتقائية في استخراج الدليل من النص لأن البعض يعتقد ثم يستدل، مع أن المفروض هو العكس، فالنصوص الشرعية ليست طلاسم، فهي واضحة في دلالاتها ومعانيها، لذلك، يجب فهم النص بدل الجري خلف تصورات خاطئة في استنباط الدليل... لحساب فكرة ما توافقنا! - علينا إيجاد ثوابت ننطلق من خلالها في حواراتنا دون أن يتشكك بعضنا في بعض!- الاقتصاد الإسلامي قص ولصق، نأتي بمبادئ الاقتصاد الغربي ثم نحذف المصطلحات، ونغير الشكليات، لنقول بعدها إن لدينا اقتصادا إسلاميا!- قول فرعون "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" الذي انتهجه بعض الشيوخ المتطرفين، هو سبب الإرهاب الذي تعيشه الأمة!- علينا الاعتراف بأننا ربينا أجيالا تهتم بالمظهر الديني دون المضمون، مع أن حقيقة وجوهر الدين هما في الداخل لا الخارج!- التصور الخاطئ بأن "كل غير مسلم كافر" هو ما جعل الأمة ترى كل ما عداها منبوذا تجب محاربته ومقاطعته.- المهاترات والشتائم التي يقوم بها البعض في الإنترنت، سببها قلة الأدب وقلة العلم، ودليل آخر على أننا نفشل كلما غابت عنا أعين الرقيب!- "هناك خوف من المرأة... لا خوف عليها" كما يحاول البعض تصوير الأمر!- قضية قيادة المرأة للسيارة هي قضية حقوق، وليست ترفا لنحكم فيها بالحلال أو الحرام، وفتوى الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز بتحريم قيادة المرأة للسيارة كانت لها ظروفها وملابساتها في حينها.برافو "أحمد بن باز"... وإلى مزيد من الاعتدال في المنهج والعقلانية في الطرح والانفتاح على الآخر واحترام رأيه وفكره!