تحت شعار "الطاقات المتجددة وثبة على طريق التنمية البشرية" انطلقت مساء أمس الأول (السبت) في مدينة أصيلة المغربية فعاليات موسم أصيلة الثقافي الثاني والثلاثين.
ولم يختلف المهرجان في هذه السنة عن سوابقه، إذ حرص على استقطاب ضيوف من قارات وثقافات مختلفة، وضمَّت جلسة الافتتاح في مكتبة الأمير بندر بن سلطان ضيوفاً مختلفي الأعراق يتقدمهم وزير الخارجية والتعاون الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، ووزير الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة عبدالرحمن العويس، بالإضافة إلى بن سالم حميش وزير الثقافة في المملكة المغربية، وشكري محمد غانم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بليبيا، وأمادوا محمد سيسي الوزير الأول (سابقا) في جمهورية النيجر.ومثَّل الكويت في هذه الفعالية الشيخة رشا الحمود الصباح، التي ألقت كلمة في جلسة الافتتاح، نيابةً عن رئيس الوزراء سمو الشيخ ناصر المحمد الصباح، أكدت فيها أن الكويت تؤمن بمد جسور التعاون بين الشعوب، مشيرة إلى العلاقات المتميزة التي تربط الكويت بالمملكة المغربية. وأوضحت الصباح أن مدينة أصيلة "بأصلها وأصالتها حققت قيمة مضاعفة في طريق التنمية البشرية منذ انطلاق هذا المهرجان وتحوله إلى احتفالية سنوية كبرى تحوي كل عشاق الفنون وجميع المؤمنين بحوار الحضارات".أما وزير الخارجية الإسباني فقد ألقى كلمة باللغة الإسبانية أشار فيها إلى الجهود التي تبذلها المجموعة الأوروبية في موضوع الطاقة البديلة، لافتاً إلى أهمية التعاون بين شعوب ضفتي المتوسط للسعي نحو إيجاد مصادر للطاقة النظيفة، ومشيراً في هذا الصدد إلى قمة ثنائية ستُعقَد بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. وتحدث الوزير من واقع تجربته في العمل الدبلوماسي عن مجموعة من الدول في إفريقيا خطت خطوات نحو استحداث مصادر للطاقة البديلة مثل جمهورية إثيوبيا، كما ألمح إلى اجتماعات عُقِدت بين المجموعة الأوروبية والرئيس الأميركي باراك أوباما للبحث عن كيفية التقليل من الاعتماد على الطاقة الأحفورية، والإفادة من المصادر الأخرى.بدوره، ألقى الرئيس المؤسس لمنتدى الفكر العربي الأمير الحسن بن طلال كلمة مسجلة عبر شاشة الفيديو تخللها عرض خرائط ووثائق عديدة لمناطق توفر الغاز والنفط انطلاقاً من الشريط القادم من دول القوقاز ممتداً إلى فلسطين وإسرائيل، مشيراً إلى ما يسميه "الشعوب المهمشة" التي تعيش على منطقةٍ لامتداد الغاز والنفط كما هو الحال مع غزة واليمن. داعياً إلى الإفادة من الثروة النفطية، بموازاة إنصاف شعوب هذه المنطقة، وأغلبها يعيش تحت خط الفقر، أو قريباً منه.وبعيداً عن كلمات الافتتاح التي ألقيت بلغات عديدة: العربية والفرنسية، والإنكليزية، والإسبانية، وحوت في بعض جوانبها مصطلحات علمية وإحصاءات في موضوعَي الطاقة والطبيعة، قد لا تروق كثيراً لعشاق الفنون والآداب، نجد المهرجان في هذه السنة يحتفي بدولة الإمارات العربية المتحدة ضيفَ شرفٍ، وقدمت الإمارات برنامجاً ثقافياً وفنياً شاملاً، جرى إعداده على مدى أشهر عدة، يغلب عليه التنوع والشمولية، فبعد جولة في المعرض التشكيلي، ومعرض الخط العربي، يجد الضيوف أنفسهم، وعلى مدى أيام عدة أمام لوحات من الفلكلور الشعبي الإماراتي، تعقبها أمسيات شعرية وموسيقية من الغناء بمجاليه الحديث والقديم، وكذلك يقدم المسؤولون الإماراتيون في هذه التظاهرة الدولية الوجه المشرق لبلادهم التي أطلقت جوائز ثقافية ذات قيمة مادية ومعنوية كبيرة، مثل جائزتي الشيخ زايد للكتاب، والبردة، إضافة إلى مسابقتَي أمير الشعراء وشاعر المليون، فضلاً عن مشروع "كلمة" للترجمة، والعديد من المشاريع الأخرى.وألقى وزير الطاقة والشباب في دولة الإمارات كلمة متوازنة، توضح بجلاء جهود بلاده في استحداث مصادر للطاقة البديلة معتمدة على خاصيتي الطاقة الشمسية والرياح، كما لم يغفل في الوقت ذاته الدور الذي تؤديه الفنون الجمالية، واهتمام بلاده بهذا الجانب.يُذكَر أن مدينة أصيلة التي تقع على المحيط الأطلسي أصبحت قِبلة لمحبي الثقافة والفنون، عبر مهرجانها الذي اكتسب طابعاً نخبوياً، يرتاده في كل سنة السياسيون، والمثقفون بكل أطيافهم. وقد يتساءل مَن يلج أبوابَ هذه المدينة الصغيرة المحصنة ذات الأزقة الضيقة البيضاء، عن كيفية بلوغها هذه المكانة الكبيرة بين مدن أوروبية وعربية تبدو أعرق وأطول عمراً منها! قد يكون للثقافة وقربها من ضفة المتوسط دور في ذلك، كما أن التمازج الثقافي وتعدد اللغات في هذه المنطقة يتيحان التحاور بين أفراد مختلفين، وفي قضايا ذات إشكالية.ولم يكن الوزير محمد بن عيسى، بحسب تصريحه في غير مكان، يتوقع أن تكون لهذه المدينة هذا الشأن، حين لمعت فكرة المهرجان في رأسه عام 1978، ولم يكن يطمح في أكثر من تنظيف المدينة من أكياس القمامة، وردم المجاري والقنوات المفتوحة، واستعان حينئذ بعدد من الفنانين التشكيليين لرسم الجداريات، وتزيين المباني، لم يكن سكان المدينة مقتنعين بما يقوله بن عيسى، ولكنه واصل طريقه بمساندة ودعم من الفنان التشكيلي المغربي محمد المليحي، وبدأ السكان يغيرون قناعاتهم حين رأوا النقود تنصبُّ عليهم من الزوار، واستفاد الصبية الصغار بالحصول على أجر مقابل العزف الموسيقي، ونوه بن عيسى إلى نشأة جيل كامل من العازفين الشباب تتراوح أعمارهم بين 8 و9 سنوات وقت انطلاق المهرجان، وقد أصبحوا الآن عازفين يتمتعون بروح التذوق، ويتقنون فنون الغناء. واختتم بن عيسى تصريحه ذاك بالكلمة البليغة "ربما لن تستطيع إزالة الفقر بالفنون الجمالية وحدها ولكنك تستطيع القضاء على البؤس" الأمر ذاته الذي ينطبق على سكان "أصيلة" الذين يستقبلون عشرات الآلاف من الزوار في كل سنة.تبعد أصيلة عن مدينة طنجة قرابة 40 كم، وتقودك المسافة عبر شاطئ ممتد يعانق المدينة الهادئة النظيفة، إلى طرق سريعة مزينة بالأشجار الخضراء التي تمتد على طول البصر. ونظراً إلى صغر حجم أصيلة وندرة الفنادق فيها يقطن أغلب الضيوف في فنادق طنجة، وتنقلهم الحافلات، والسيارات الصغيرة الفارهة (لكبار الضيوف) إلى مدينة أصيلة، مستمتعين بالمنظر الخلاب، في أجواء لا تتعدى درجة حرارتها 32 درجة مئوية. وتتواصل فعاليات المهرجان على مدى 25 يوماً، يستمتع خلالها الضيوف بالانتقال بين مختلف المواقع، عبر مبان تزينها جداريات تشكيلية متقنة لفنانين مغاربة ومن دولة الإمارات المتحدة.
آخر الأخبار
«أصيلة» يحتفي بدولة الإمارات ويناقش «الطاقة المتجددة»
12-07-2010