يقول أمير الشعراء أحمد شوقي (1868-1932) في قصيدته "قف سائل النحل به":

Ad

قــــم للمعــــلِّم وفّـــــه التبجـــــيلا    كــــاد المعلّم أن يكـــون رســــــــــولا

المعلمون رُسل في إيمانهم بدور العلم وأهميته، وفي حرصهم وتفانيهم لنقل العلم الصحيح والمعرفة المتجددة إلى غيرهم، وفي قبولهم دور المربي، وأخيراً في نكرانهم لذواتهم، وهم يُعلّمون ويخرّجون أجيالاً قد تتبوأ مراكز فكرية وعلمية واجتماعية متقدمة، بينما هم في المركزين العلمي والوظيفي أنفسهما.

لكن، لكي يكون المعلم رسولا، فلابدَّ أن يتحلى بمجموعة من الصفات التي تؤهله لذلك، وأول هذه الصفات هو حبه وملاحقته لمستجدات العلم والفكر في باب تخصصه، وعدم اكتفائه بعلم جامد. وثانياً في بحثه الدائم عن أفضل الوسائل للارتقاء بقدرته على توصيل علمه إلى الآخرين. يضاف إلى ذلك، حسن خلقه وطيب معشره وتواضعه، فليس أهم من الاحترام بين المعلم والطالب، وإذا كان احترام الطالب للمعلم واجبا لا مراء أو جدل فيه، فإن احتراما آخر من المعلم لطلبته واجب لا يقلّ عن الأول، خاصة إذا كبر الطالب، وقطع شوطاً من العلم، وصار في مكانة تؤهله لزمالة مدرّسه.

إن التغيّر هو سمة الحياة الأهم وربما الأجمل، في تبدل أحوال الحياة، وفي انتقال البشر وتطورهم من شأن إلى شأن ومن حال إلى حال. لذا فإن جمود نظرة بعض المعلمين عند حدٍ ما، وإصرارهم على الوقوف عند حال بعينه، لا يشكل مسّاً وتقليلاً من مكانة الآخر، بقدر ما يفضح نظرة قاصرة، وفهم عاجز عن إدراك قانون تطور الحياة بشكله الصحيح.

الصغير يكبر، في شتى مجالات الحياة. هذه حقيقة واضحة كالشمس لا يمكن نكرانها، مما يستوجب التعامل معها بما يجب، لكن البعض من المدرسين والأدباء والفنانين والمثقفين ومسؤولي الدولة، وأحرص على التأكيد على كلمة البعض، على اختلاف درجاتهم العلمية ونتاجهم الإبداعي ودرجاتهم الوظيفية، هذا البعض يصرّ على أن يبقى متفضلاً دائماً، ويصرّ أيضا، وهنا مربط الفرس، على النظر إلى الآخر بوصفه تلميذاً مبتدئاً دائماً، مهما تغيّر وعلا شأن هذا التلميذ، وحاز شهادات علمية عالية، وكسب سعة علم وحياة!

استغرب إصرار البعض، على التعامل مع الواقع بعماء كبير، وإصرارهم على الترفع والتكبر على الآخرين، وأنهم وحدهم كانوا الأساتذة وسيبقون! وأنهم يمتلكون الحقيقة في علمهم وإبداعهم، ولن يجاريهم أحد في ذلك! ولذا تعين على الآخر تقديسهم، وتعين عليه أن يبقى دائماً صغيراً بحضرتهم!

الجميع يبدأ صغيراً، ولكن الصغير ما يلبث أن يكبر علماً وفكراً، وما يلبث البعض أن يغدو نجماً، وقانون الحياة الطبيعي يتطلب النظر إليه في وقته وفي زمانه، وتقديره على مشواره العلمي والعملي، وعدم احتقار جهده، بل ومصادقته ومزاملته بما يستحق من تقدير واحترام.

من يرضى لنفسه أن يكون معلماً أو مربياً أو مبدعاً أو مسؤولاً كبيراً، فعليه أن ينكر الكبر في نفسه، وعليه أن يرتضي صعود الآخرين سلم العلم والترقي، وعليه أن يدرك أن يوماً سيأتي، وسيكون الصغير كبيراً في علمه ودرجته ومكانته بين الناس. ولكن، إذا عجز هو عن إدراك هذا، فذلك يعني أنه في مأزق كبير، فالمعلم الحق هو المعلم المتحول وليس الجامد!