من الطبيعي جداً أن تكون كلمات وآراء مشاهير الدعاة، وبالأخص الدعاة النجوم، مصدقة جدا عند الآلاف بل سأقول الملايين من الناس، لاسيما عند من يحبون أو يعشقون هؤلاء الدعاة ويحرصون على متابعتهم، ولكون هذه الكلمات غالباً ما تكون مسجلة إما كتابة وإما بالصوت وإما بالفيديو، فإنها تنتشر في الآفاق انتشار النار في الهشيم. إلا أن أصعب ما في هذه المسألة، أنه في حال اتضح خطأ أي شيء مما أنتجه أحد من هؤلاء الدعاة، وهو الأمر الوارد جداً، فما هم في نهاية المطاف إلا مجتهدون يحتمل أن يبدر منهم الخطأ والوقوع في الزلل ككل البشر، فإنه من الصعب جداً، بل يكاد يكون من المستحيل، نشر التصحيح والرأي الجديد على نفس المستوى الذي بلغه الأول، ولا يمكن إزالة ما سبق أن انتشر واستفحل بين الناس، وهكذا سيظل سارياً مستمراً، ينتقل قفزاً من فم إلى فم ومن قلم إلى قلم، وسيكرر الناس أن الداعية الفلاني قد قال كذا وكذا!

Ad

ويحضرني في ذلك أن الشيخ عايض القرني كان قد ذكر في أحد تسجيلاته المنتشرة، وكل تسجيلاته واسعة الانتشار، أن الدكتور ديل كارنيغي، الذي هو أحد أشهر المعلمين في مجال تطوير الذات والتغلب على القلق والنجاح في الحياة، قد مات منتحراً، ويبدو أن الشيخ القرني قد استند في ذلك إلى طرف معلومة منتشرة على الإنترنت، فانتشر ما ذكره بدوره عند متابعيه ومحبيه، ليستخدمه بعضهم للتشكيك في مصداقية كارنيغي والتقليل من قيمة وجدوى كتبه المنتشرة على نطاق واسع والمترجمة إلى عشرات اللغات، في حين أن حقيقة الأمر هي أن كارنيغي كان قد مات بالسرطان!

القصة هنا، ليست كيف مات كارنيغي، فليس هذا هو المهم، إنما كيف يجب أن يتعامل الدعاة مع ما يقولونه على الملأ، حتى لو كان شيئاً هامشياً في نظر البعض، كقصة كارنيغي هذه؟ فالداعية، وكما أسلفت، مصدق دائماً في كل ما يقول ويكتب وينشر، وكلامه لن يقبل النقض عند الآلاف من عموم الناس بعد ذلك، وبالطبع سيكون الأمر أكثر خطورة بعشرات المرات في حال كان ما صدر عن هذا الداعية فتوى، أو رأي شرعي ما، واتضح له الخطأ بعد حين.

هذا الأمر، يجب أن يضع كل من يدخل إلى هذا المجال الخطير أمام مسؤولية مضاعفة، فالتصدي للدعوة والإفتاء، وممارستهما بهذه الطريقة الإعلامية الفضائية والإنترنتية العصرية الرهيبة، يجب ألا يكون أمراً هيناً يُتَساهل فيه، ولا يصح أن يعتقد أحد أن هؤلاء الدعاة سيؤجرون سواء أصابوا أم أخطؤوا في كل الأحوال، باعتبار (معنى) الحديث «إن للمجتهد المصيب أجرين وللمخطئ أجر»، وذلك لأن هذا الحديث الشريف قد قرن الأمر بالاجتهاد أي بذل الوسع إلى أقصى حد، ومجرد الاكتفاء بطرف معلومة من هنا أو من هناك والاستناد إليها، ليس اجتهاداً على الإطلاق، ولذلك فعلى من لا يجد نفسه كفؤاً لتحمل هذه التبعة الثقيلة، ولبلوغ هذا المستوى العالي من الاجتهاد أن يكف أمره عن الناس وأن يلزم حدوده.