أكد السياسي والمعارض العراقي سماحة السيد محمد بحر العلوم في حديثٍ مع "الجريدة"، أن العراق اليوم يمر بمرحلة مخاض عسير لبناء عراق ديمقراطي حر جديد، وتحدث عن "طبخة أميركية ـ أممية لإعادة البعثيين من جديد إلى سدة الحكم، إلا أن إرادة الشعب العراقي وقفت ضد ذلك تماماً"، لافتاً إلى أن "أبناء الانتفاضة الشعبانية التي بزغت شمسها عام 1991 هي البذرة الرئيسية لتحرير العراق من النظام الدكتاتوري الشمولي". وفي ما يلي نص الحوار الذي أجرته "الجريدة" مع بحر العلوم:

Ad

• ماهي قراءتكم للمشهد السياسي العراقي اليوم؟

- المرحلة التي يمر بها العراق الآن هي مرحلة مخاض عسير لبناء عراق جديد ديمقراطي اتحادي حر ومستقل، وبالتالي يحتاج كل ذلك إلى قوة إرادة وثبات على الموقف كي نتخطى هذه المرحلة بسلام وأمان، وما يدعم ذلك وبشكل قوي هو العمل العام سياسيا وأمنيا، وعلى جميع الأطراف دون استثناء تبادل الآراء ووجهات النظر التي تحتاج إلى إرادة وثبات قويين، ويجب على الجميع التحلي بالصبر، والعمل على أن هذه المهمة مقدسة، وعلينا أن نعمل معاً من أجل العراق الجديد.

• ماذا عن مشروع عودة البعثيين إلى الساحة العراقية السياسية من جديد؟

- أعتقد أنه كانت هناك طبخة أعدتها الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة لعودة حزب البعث من جديد إلى الأروقة السياسية العراقية، وسبق أن أخطأت أميركا مرتين في هذا الشأن، المرة الأولى في عام 1962، والثانية عام 1968، والثالثة هذه المرة، وقد سبق أن خسرت أميركا في المرتين السابقتين مع البعث، ولا أشك في أنها ستخسر الرهان ثالثة. الجميع يعلم ويدرك تماما أن ثقافة البعث ثقافة دموية وشوفينية وشمولية، وهنا أتساءل هل هناك مَن يضمن للعراق أن البعث الجديد سيتخلى عن طبيعته الدكتاتورية، أعتقد أن الجواب الأنسب هو أنه "لا يُلدغ المرء من جحر مرتين" فكيف إذا لدغنا مرتين، والثالثة ربما تكون أكثر إيلاماً وعنفاً.

• لكنّ هناك تخوفاً من السنة من أن يتم إقصاؤهم تماما خلال هذه الانتخابات؟

- لا أحب على الإطلاق التحدث بنفَس طائفي، ولكن مثل هذا الموضوع لابد أن أذكر الطائفة للتوضيح فقط، ووضع النقاط على الحروف، لا من باب الترويج الطائفي، لأن العراق على مدار سنوات بعيدة والجميع يستظل بانتمائه للوطن لا للطائفة، لذا يتعيّن على الأقلية السنيّة في البلاد ألا تخاف على مستقبلها السياسي في عراق ما بعد الحرب، فمخاوفها هذه لا أساس لها من الصحة، والشيعة لم يستولوا على مكاسب الآخرين بدليل أن هناك الكثير من السنة يشغلون مناصب مرموقة في البلاد، وكذلك الآن في العملية الانتخابية لم يتم إقصاؤهم مطلقاً ما عدا مَن يروِّج لثقافة البعث ولعودة حزب البعث، لأنه حزب محظور في الدستور العراقي، لذا سيحصل كل مواطن عراقي مهما كان انتماؤه أو توجهه على كل حقوقه من دون سلب حقوق الآخرين.

وهنا أحب أن أركّز وأشدد على وجوب رفض الطائفية والنظر إلى الأشياء بشكل شامل من دون الاستسلام للخوف، مادمنا نؤكد في دستورنا أن الإسلام هو الأساس في عملنا وسلوكنا، وكتاب الله المجيد يحمل كل معاني الكرامة والإنسانية، لذا لا يوجد أدنى تعارض ما بين الإسلام والديمقراطية.

• هناك مَن يقول إن الوضع السياسي الجديد في العراق هو نتاج ما بعد سقوط النظام السابق، والمقصود هنا المحاصصة؟

- ربما في بداية الأمر، كانت كذلك، وفعلا لمسنا تلك المحاصصة الطائفية التي أغرقت البلاد في بحر الطائفية والانتماء المذهبي في بلد هو أساسا يمقت ذلك منذ فترة طويلة، وهذا يعود الى الحاكم المدني بول بريمر الذي أخذ على عاتقه تقسيم المناصب القيادية بهذه الصورة، إلا أن الأمر بعد ذلك اختلف تماما، وها نحن اليوم نسعى من أجل إبعاد الطائفية وشبحها عن العملية السياسية تماما في المرحلة المقبلة من خلال الانتخابات النيابية، وكذلك من خلال تشكيل الحكومة المقبلة.

• لماذا وُضِع اللوم على بريمر وأين أنتم كساسة عراقيين، إن لم يكن بإمكانكم نسف العملية السياسية برمتها وعودتكم جميعاً من حيث أتيتم؟

- هذا صحيح نحن كقادة عراقيين وكسياسيين كان علينا أن نتدخل ونرفض، ومن أجل التاريخ لابد أن أكون صريحا معك، وأقول إن سطوة الكرسي والعمل القيادي السياسي والنفوذ والسلطة ربما أثرت في البعض، وبالتالي أدى ذلك إلى هذه النتيجة، لكن علينا الآن مادمنا تنبهنا لذلك أن نعمل كل ما بوسعنا كي نتخلص من المحاصصة الطائفية والعملية التوافقية السياسية حتى لا يتراجع البلد ويضمحل.

• وماذا تقول عمَن يدافع عن صدام إلى الآن؟

- إني أتساءل لماذا كل هذا التكالب والتدافع من أجل الدفاع عن قاتل ومدمر ومغتصب وفاجر وهو صدام الذي ذهب إلى مزبلة التاريخ، كذلك أتساءل وأقول لهولاء، ولماذا لم تهتزوا حين دفن صدام العراقيين أحياءً واستباح حرماتهم وتجاوز ظلمه إلى العقيدة والدم، لذا أحب أن أؤكد لهولاء بل أقسم لهم وأقول: والله إن الشعب العراقي يكره صدام ومَن حوله ومَن يدافع عنه، ولو كان شريفاً لاحترم نفسه وأطلق رصاصة رحمة على رأسه عندما ألقى الأميركان القبض عليه في الحفرة، وأنهى بذلك حياة المذلة التي شاءها الله له كما أذل الشعب، فولى إلى جهنم وبئس المصير.

•كيف تنظر إلى الوضع الأمني اليوم في العراق؟

- لاشك في أن الهدوء الأمني أعاد إلى الحياة في العراق رونقها وبسمتها وطابعها الحضاري والاجتماعي، وأثبتت الحكومة إلى حد ما سيطرتها على منابع الإرهاب القادم من خلف الحدود الى البلاد، لكن بين فترة وأخرى يحاول هؤلاء الإرهابيون أن يبرهنوا على أنهم لايزالون موجودين، خصوصا قرب الانتخابات في مارس المقبل هذا شيء متوقع، لكن دعيني أشخص لك مَن هم الإرهابيون أو من يسمون أنفسهم بـ"القاعدة"، إن أعضاء القاعدة ما هم إلا "متطفلون" يريدون أن ينشروا أفكارهم المتخلفة في بلدنا صاحب الحضارة وليس لهم في العراق موضع قدم، وأحب أن أقول لهم نحن نعرف مصلحتنا جيدا، لذا إن كنتم تهدفون إلى مهاجمة الأميركيين فمن الأفضل أن تذهبوا إلى تحرير فلسطين التي يتعاون الأميركيون والإسرائيليون على اغتصابها، أما نحن في العراق فأعتقد أننا قادرون على التخلص من الجيش الأميركي وفق اتفاقية أُبرِمت معه وسيغادر تماما البلاد أواخر عام 2011، والعراق سيبقى بيد أبنائه، ولكن دعيني هنا أن أقول كلمة حق في أبناء الانتفاضة الشعبانية، فهي انتفاضة عظيمة شكلت منعطفا تاريخيا متميزا في تاريخ العراق عام 1991 بل إنها أعظم وأهم وأخطر انتفاضة عرفها تاريخ العراق، لأنها انبثقت على أعتى دكتاتور في تاريخ البشرية قاطبة، وعلى أبطش عصابة حكمت العراق بالحديد والنار، إذ كانت تُحصي على الشعب أنفاسه، وزرعت الفرقة والفتن والضغائن بين الشعب، وحولت كل مؤسسات الدولة كالمدارس والمستشفيات والجيش وغيرها إلى أوكار أمنية وتجسسية تعمل ليل نهار ضد الشعب وضد مصلحته، لذا أرجو من الحكومة المقبلة أن تضع هذا الملف نصب أعينها كي تنصف هؤلاء وتمنحهم حقوقهم التي إلى الآن لم يحصلوا عليها.