إن لم يكن الآن... فمتى؟!

نشر في 07-07-2009
آخر تحديث 07-07-2009 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت «إن كل السياسة محلية»، هكذا يؤكد القول المأثور، ولكننا اليوم نستطيع أن نقول إن كل المشاكل عالمية. حين يجتمع زعماء العالم في إطار قمة مجموعة الثماني في إيطاليا، فسيكون لزاماً عليهم أن يُـحَدِّثوا من سياساتهم حتى يتمكنوا من معالجة المشاكل التي لا يستطيع أي منهم إيجاد الحلول لها بمفرده.

لقد شهد العامان الماضيان سلسلة من الأزمات المترابطة: الذعر المالي، وارتفاع أسعار الغذاء والنفط، والصدمات المناخية، ووباء الإنفلونزا، وغير ذلك الكثير. ولاشك أن التعاون الدولي في التصدي لهذه المشاكل ليس مجرد تصرف صائب، بل لقد بات يشكل ضرورة عالمية.

إن الترابط العالمي شديد إلى حد مذهل، ففي شهر أبريل تم التعرف على فيروس الإنفلونزا H1N1 (إنفلونزا الخنازير) في إحدى القرى بالمكسيك. والآن انتشر الفيروس إلى أكثر من مئة دولة. كما انتقلت الآثار المترتبة على انهيار «ليمان براذرز» إلى أنحاء العالم المختلفة في غضون أيام، فسرعان ما شعرت حتى القرى النائية في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بالصدمة الناتجة عن تراجع الدخول من التحويلات المالية القادمة من الخارج، وإلغاء المشاريع الاستثمارية، وهبوط أسعار التصدير. وعلى نحو مماثل، ساهمت الصدمات المناخية في أجزاء من أوروبا وأستراليا وآسيا والأميركيتين في الأعوام الأخيرة في ارتفاع أسعار الغذاء إلى عنان السماء، الأمر الذي أثر في الفقراء وخلق جواً من عدم الاستقرار والمصاعب في عشرات البلدان.

لا وجود لدولة واحدة أو زعيم واحد قادر على حل هذه المشاكل بمفرده. صحيح أن الساسة مسؤولون أمام الناخبين المحليين، ولكن هؤلاء الناخبين يريدون حلولاً لا يمكن إنجازها في داخل حدود أي دولة بمفردها. وكل بلدان العالم تواجه الآن الصدمات المناخية المتفاقمة نتيجة إلى الانبعاثات العالمية للغازات المسببة للاحتباس الحراري، وليس نتيجة إلى الانبعاثات الناتجة عن أي دولة بعينها. على سبيل المثال، حذر تقرير حديث صادر عن حكومة الولايات المتحدة من أن «العمل كالمعتاد» في التعامل مع مشكلة المناخ لابد أن يسفر عن حالات الجفاف الشديد في جنوب غرب أميركا، والعواصف الشديدة والفيضانات في خليج المكسيك، والأمطار الغزيرة في الشمال الشرقي. وسيكون الساسة الأميركيون مسؤولين عن معالجة هذه المشاكل، إلا أن تجنب الآثار المدمرة يتطلب التوصل إلى اتفاق عالمي.

هذا هو السبب الذي يجعلني أوجه الدعوة إلى مجموعة الثماني للعمل على معالجة مجموعة من القضايا على مدار الأشهر الاثني عشر المقبلة. وتقع بعض هذه القضايا ضمن نطاق اختصاص بلدان مجموعة الثماني؛ ويتطلب بعضها الآخر توصل جميع البلدان الأعضاء في الأمم المتحدة إلى اتفاقيات عالمية. وفي كل الأحوال فإن زعماء بلدان مجموعة الثماني يدفعهم التزام خاص بتولي زمام المبادرة في هذا السياق، وذلك نظراً إلى تعهداتهم السابقة، وحجم اقتصاد بلدانهم وحصصها غير المتناسبة في الانبعاثات الغازية العالمية المسببة للانحباس الحراري العالمي.

أولاً، يتعين على بلدان مجموعة الثماني وغيرها من البلدان الكبرى المنتجة للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي أن تكثف جهودها للتوصل إلى اتفاق في إطار مؤتمر تغير المناخ الذي ستعقده الأمم المتحدة في كوبنهاغن في شهر ديسمبر. ولابد أن يكون هذا الاتفاق دقيقاً من الناحية العلمية، ومنصفاً، وطموحاً، ومتقناً. إن تحقيق هدف الحد من الزيادة الأساسية في درجات الحرارة العالمية بحيث لا تتجاوز درجتين مئويتين سيتطلب التزام بلدان العالم بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 50 في المئة بحلول عام 2050. ويتعين على بلدان مجموعة الثماني وغيرها من البلدان الصناعية أن تتولى زمام المبادرة من خلال الالتزام بخفض الانبعاثات بنسبة لا تقل عن 80 في المئة من مستويات الانبعاث في عام 1990.

إن أي اتفاقية فعّالة لابد أن تساعد البلدان الضعيفة- خصوصاً الدول الأكثر فقراً والمناطق القاحلة الأشد عُـرضة للخطر- على التكيف مع تغير المناخ. ويتعين عليها أن تلبي وعودها بتمويل البلدان الفقيرة لبناء أنظمة طاقة مستدامة واقتصاد متكيف مع تغير المناخ. كما يتعين على مثل هذه الاتفاقية أن تؤسس نظاماً لتطوير ونقل التقنيات الخضراء لتحقيق المصلحة العامة في أنحاء العالم المختلفة.

إن كنا نريد النجاح لمفاوضات كوبنهاغن، فلابد أن يقدم زعماء العالم ما هو أكثر من الحديث عن الزعامة. بل يتعين عليهم أن يثبتوا جدارتهم بهذه الزعامة. ولهذا السبب أوجه الدعوة إلى كل زعماء العالم للمشاركة في قمة تغير المناخ التي ستعقدها الأمم المتحدة في الثاني والعشرين من سبتمبر. وأتوقع منهم الحضور جميعاً، ذلك أن مستقبلنا ومستقبل العالم أصبح الآن على المحك.

ثانياً، يتعين على مجموعة الثماني أن تتخذ خطوات محددة للوفاء بتعهداتها القديمة غير المنجزة بدعم البلدان الفقيرة ومساعدتها في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، ففي عام 2005 تعهدت مجموعة الثماني بمضاعفة المساعدات لإفريقيا بحلول عام 2010. وإلى اليوم مازالت المساعدات أقل من الوفاء بهذا التعهد بما يتجاوز العشرين مليار دولار سنوياً، ولم يتبق إلا عام واحد. لقد أصبحت مصداقية مجموعة الثماني على المحك، بينما تعتصر الأزمة المالية وصدمات المناخ ووعود المساعدات غير المنجزة أفقر فقراء العالم.

ثالثاً، يتعين على مجموعة الثماني أن توجه انتباهها العاجل نحو أزمة الجوع العالمية المتفاقمة، فطبقاً لتقديرات الأمم المتحدة، انضم إلى سكان العالم الذين يعانون الجوع المزمن حوالي مئة وخمسين مليون آخرون، فبلغ تعداد الجياع في العالم الآن حوالي مليار نسمة.

إن هذا التراجع المفجع عن التقدم الذي تم إحرازه على صعيد الأمن الغذائي العالمي كان راجعاً إلى العديد من العوامل: الصدمات المناخية، وتلف المحاصيل، وبطبيعة الحال الأزمة المالية العالمية. لقد بث العلماء إلى زعماء العالم رسالة قوية مفادها أن المناطق الفقيرة والمناطق التي تعاني نقص الغذاء من الممكن أن تزرع المزيد من المحاصيل الغذائية إذا حصل صغار مزارعيها على البذور المحسنة، ومخصبات التربة، ووسائل الري المناسبة التي يحتاجون إليها لتحسين إنتاجية الأراضي التي يزرعونها. إن المعونات الغذائية تشكل أهمية حاسمة في خضم الكارثة الحالية؛ وزراعة المزيد من المحاصيل الغذائية في إفريقيا بصورة خاصة لا تقل أهمية في العام المقبل وما يليه.

كان التعاون العالمي حاسماً في وقف الانهيار المالي العالمي في العام الماضي. ورغم أن الموقف الاقتصادي العالمي مازال عصيباً، فإن الفوائد المترتبة على التعاون النقدي والمالي بين الدول الكبرى المتقدمة اقتصادياً كانت واضحة. ولقد شهدنا استجابة جماعية فعّالة مماثلة في التعامل مع وباء الإنفلونزا. إن التعاون يثمر دائماً، ولكننا بدأنا للتو.

والآن يتعين علينا أن نستغل قوة الشراكة العالمية لتحقيق أهدافنا في التعامل مع تغير المناخ، وتقليص الفقر، وزيادة الإنتاج الغذائي. ولنبدأ بانتعاش اقتصادي قوي وعادل وشامل ومستدام، لأننا إن لم نفعل ذلك الآن، في لحظة الأزمة، فلن نفعل أبداً.

* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top