وجهة نظر : ازمة الثقة بقوانين التنمية!
يتطلب السير على طريق التنمية والبناء الاقتصادي، ضمن متطلبات أخرى، وجود ثقة متبادلة بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، الدولة التي ترسم خارطة الطريق إلى التنمية وتحدد معالم هذه الخارطة، والقطاع الخاص الذي يشكل قاطرة الانتقال من نقطة الانطلاق (الوضع الراهن) إلى نقطة تحقيق الهدف (أي النمو) المبين على تلك الخارطة، وبدون هذه الثقة تصبح عملية التصدي لتحديات التنمية أو تحقيق الهدف ضرباً من الخيال.
تأسيساً على ذلك ينبغي وقبل أي شيء آخر معالجة هذا الخلل الكبير الذي يحيط بعنصر الثقة بين مؤسسات الدولة وقطاعها العام والقطاع الخاص، إذ من الواضح من خلال قراءة نصوص القوانين الصادرة في السنوات القليلة الماضية أن هناك أزمة ثقة بين الطرفين، فالقوانين التي تقترح من قبل السلطة التنفيذية أو تصدر عن المؤسسة التشريعية يحكمها هاجس الخوف والتخوف المبالغ فيه من استغلال بعض وحدات القطاع الخاص لما قد يبدو أنه ثغرات في هذه القوانين، ومن ثم تأتي التشريعات والقوانين واللوائح والقرارات مثقلة بالشروط التعجيزية والقيود الصارمة والعقوبات المغلظة، مما يؤدي في الغالب إلى عزوف أو نفور القطاع الخاص عن التعامل مع هذه التشريعات والقيود، خاصة أنها تفقد هذا القطاع، الذي تتميز طبيعة عمله بالديناميكية، المساحة الكافية من المرونة اللازمة والسرعة التي تتطلبها آلية القرار والتنفيذ في هذا القطاع. ويمثل القانون رقم 7 لسنة 2008 الخاص بتنفيذ المشروعات التنموية بنظام الـ «بي أو تي» مثالا صارخا على هاجس التخوف هذا، فلقد جاء قانون الـ «بي أو تي» مفصلاً لحماية أملاك الدولة العقارية دون أن يتضمن أي حوافز حقيقية تشجع القطاع الخاص على المشاركة الحقيقية في مشروعات التنمية أو البنية التحتية، فكان أن نتج عنه عزوف تام من جانب القطاع الخاص عن التعامل مع معطياته. وبعد مرور أكثر من عامين على صدوره اعترفت الدولة بأن القانون في حاجة إلى تطوير وتعديل، بسبب صعوبة التعامل مع نصوصه، وبسبب عدم مجاراته للهدف الأساسي من نظام الـ «بي أو تي» كأحد أنظمة المشاركة بين القطاعين العام والخاص، ألا وهو تشجيع القطاع الخاص على القيام بتنفيذ مشاريع البنى التحتية ومشاريع التنمية، في الأراضي التي تخصصها الدولة لهذه المشروعات.أضف إلى هذا المثال، قانون العمل الجديد في القطاع الأهلي الذي صدر في شهر فبراير الماضي، واحتوى على نصوص تدل على هواجس مماثلة، وقس على ذلك قانون الخصخصة الذي أثقل هو الآخر بنصوص غير مشجعة تحت هاجس مقولة «بيع البلد»، أما ثالثة الأثافي فكانت إقرار مجلس الخدمة المدنية الكوادر الوظيفية وزيادات الرواتب في القطاع العام، مما أدى إلى تفاقم حجم الفجوة بين القطاعين العام والخاص، وبما يتعارض كليا مع الهدف المحوري لخطة التنمية الصادرة بالقانون رقم 9 لسنة 2010، وهو «تحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار يقوم فيه القطاع الخاص بقيادة النشاط الاقتصادي، ويذكي فيه روح المنافسة، ويرفع كفاءة الإنتاج».