الشعار المنتشر بين العامة بأن الدستور خط أحمر، هو في قناعتي من أكثر الشعارات ظلماً لديمقراطيتنا، فهذا الشعار وإن كنت أعلم أنه «طيب النية» يهدف إلى حماية ممارستنا الديمقراطية من العبث، وصيانتها من الاستلاب وقصقصة أجنحتها حتى لا تتحول إلى طير داجن، لا يطير أعلى من سقف «العشة»، إلا أنه في حقيقته شعار ظالم و»مفتري» من حيث لا يشعر، فقد افترى على الدستور نفسه، بل ربما طعنه في خاصرته، حين ألجم مادتين من مواده وخنقهما!

Ad

الدستور نفسه قد أقر حق تعديل أحكامه من خلال المادتين (174) و(175)، وبيَّن كيفية ذلك، مما يدل على أن واضعي الدستور كانوا يدركون أنه لا يجب أن يصبح «خطاً أحمر» في يوم من الأيام، أو أن يتم التعامل معه كنص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه عاجلاً أو آجلا، مع تطور الحياة وتزايد تعقيداتها سيحتاج إلى التوسعة لأن ذلك منطق سنة التطور كما ورد في المذكرة التفسيرية، مع حرصهم طبعاً على حمايته من العبث والتشويه فقالوا في المادة 175: بأن الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصاً بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة.

إذن فلنتفق على أن النائب علي الراشد، ومن حيث المبدأ، وحين طرح قبل أيام فكرة تعديل بعض مواد الدستور لم يخرج عن إطار ما هو مقرر ومقبول دستورياً، وله علينا كمجتمع «متحضر» أن نستمع إلى وجهة نظره وأن نناقشه، فنرفض أو نقبل ما طرحه، وأنا على سبيل المثال، وبعد الاطلاع الأول على ما جاء به، أرى أن جل مقترحاته ستحجم من سلطات نواب البرلمان وستستلب بذلك أغلب السلطة من الشعب ناحية السلطة التنفيذية، ولذلك أرفضها. نقطة على السطر، ولا حاجة بعدها للدخول في دائرة «غربلة» نواياه أو استفزازه للكشف عن «دوافعه» أو اتهامه بأي شيء!

بل لعلي سأقول إن هناك فائدة لما قام به الراشد، ربما بغير قصد من جانبه، من حيث إنه قد يجعلنا نكسر هذا الخوف المطبق الذي فرضه علينا شعار «الدستور خط أحمر»، فنقدم على التعامل بشجاعة مع المادتين (174) و(175)، ونشرع في تقديم المقترحات لتعديل الدستور، لتطويره نحو المزيد من ضمانات الحرية والمساواة وتعزيز الممارسة الديمقراطية والمشاركة الشعبية.

كنت ومازلت وسأظل مؤمناً بأن الوصول إلى الديمقراطية الأشمل والأقوى، يحتاج إلى المرور أولاً بتعديل النظام الانتخابي، وإعادة النظر في شكل الدوائر وآليات الانتخاب، لتحويلها من العمل البرلماني الفردي إلى العمل الجماعي، وكذلك بعدها تعديل آلية تشكيل الحكومة واشتراط حيازتها لثقة البرلمان وصولاً إلى جعل منصب رئيس الوزراء منصباً شعبياً خالصا ينتج عن الممارسة الانتخابية نفسها، ولا شك أن الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة لا يمكن أن يتم إلا عبر تعديلات دستورية يقوم بها فريق شجاع يقدم على فتح هذا الباب غير خائف ولا هيّاب من «اختطاف» الديمقراطية من يده!

أمر آخر أود الوقوف عنده، وهو فرضية لا أدري إن كانت بعيدة أو قريبة، ولكن أظن أنها جديرة بالنظر، اليوم وقد اتضح لنا جميعا أن الحكومة تمتلك أغلبية برلمانية مريحة جداً، واتضح لنا كذلك أنها قادرة على إدارة اللعبة السياسية بشكل متفوق عن خصومها، وعليه ماذا لو قررت هذه الحكومة فعلاً، أو أي حكومة قادمة، أن تتبنى مقترحات علي الراشد، أو أن تأتي بمقترحات من عندها لتعديل الدستور مثلاً، ألستم معي بأن جسر عبورها إلى ذلك سيكون هو نفسه مجموع «النواب والنائبات» الذين قمنا «نحن» الشعب بإيصالهم إلى البرلمان؟! ألن يكون الأمر وكأننا نحن من دفع بإصبعه إلى عينه ليفقأها؟!

ألا يعني هذا أن المصيبة فينا ومنا نحن الشعب قبل أن تكون من أي طرف آخر؟! وعليه فالمنطق يقول إن الواجب علينا نحن الشعب، أن ننكفئ على أنفسنا لمعالجة هذا الخلل الواضح ورتق هذا الثقب الفاضح في صفوفنا، قبل أن نصب جام غضبنا على الآخرين، متعامين عن حقيقة أننا من تدافعنا منذ أشهر بالآلاف على صناديق الاقتراع للتصويت لنواب «قرابين» يسهل اختطافهم، لمجرد أن هذا ولد عم وهذا ولد خال، وهذا من قبيلتي وهذا من طائفتي وهذا من جماعتي!