قبل 47 عاما سعى واضعو الدستور إلى مستقبل أفضل ينعم به الوطن، ويتمتع بمقتضاه المواطن بالحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية، إلا أننا اليوم نكصنا عما سعوا إليه، وتجاوزنا ما انطلقوا منه، ليعود النقاش إلى مرحلة ما قبل الصفر حول جدوى الدستور وحاجتنا إلى الحريات.

Ad

يختلف صباح اليوم عما كانت عليه الحال قبل 47 عاماً، عندما ظهر أمير الكويت الراحل الشيخ عبدالله السالم مستقبلاً رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف ثنيان الغانم ليقدم له دستور الدولة في الصورة الأشهر بتاريخ الكويت، فيصدره الأمير الراحل يوم تلقيه دون تعديل، لأنه جاء من أهل الكويت إلى أهلها.

كم يختلف اليوم مقارنة بذاك اليوم، فالناس غير الناس، مجلساً وحكومةً وشعباً، فقد تغيرت الكويت كثيراً على مدى نصف قرن، إذ جاء الدستور قبل 47 عاماً لينظم الدولة، ويحدد صلاحيات كل سلطة، في دولة تشق طريقها نحو الريادة، بينما تحاول الدولة اليوم اللحاق بركب فاتها منذ زمن.

أيام المواكب الرسمية الراقصة احتفالاً بعيد الاستقلال تختلف عن أيام نقاش حرمة الموسيقى، وزمان التعاملات المالية بين رئيس الوزراء والنواب، وتداخل الخاص بالعام، والسياسي بالديني، حتما يعاكس زمان الاستقلال، ففي السابق كان الوزراء ينحازون إلى الدستور، بينما بعض نواب الحاضر يسعون إلى الانقلاب عليه ويطالبون بتعليقه، أما المحاولات الدؤوبة لوضع الدستور قبلاً فقد استُبدلت بمحاولات جادة لوأده.

على مدى مسيرتنا الدستورية مررنا بانحرافات حادة، هددت الدستور بشكل جدي، وكياننا بشكل أعم، لكن أخطرها ما يحدث اليوم من تفريغ لمحتواه، وتحويله إلى قائمة طعام ينتقي منها الزبون ما يريده، ويترك بقية المواد لمن يشتهيها، فما يحدث اليوم أكبر من الانقلاب على الدستور وإعلان حالة الطوارئ وفرض رقابة مسبقة على الصحافة وتقييد الحريات، لأن طبيعة الصراع والغاية من ورائه اختلفت.

صراع الأسرة بلغ مرحلة متقدمة، ألقت بظلالها على المجتمع، وأسست حالة استقطاب واصطفاف لم تشهدهما الكويت من قبل، كما تدور في البلاد اليوم حرب خفية على الانتماء والطائفة والمواطنة، وغدا المسكوت عنه أكثر من المباح، وما يدور في الخفاء أكثر شناعة من المعلن، وتحولت قاعة «عبدالله السالم» وصفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية إلى ساحات لمعارك جانبية، أدواتها التشويه، وهدفها التصفية والإقصاء.

قبل 47 عاما سعى واضعو الدستور إلى مستقبل أفضل ينعم به الوطن، ويتمتع بمقتضاه المواطن بالحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية، إلا أننا اليوم نكصنا عما سعوا إليه، وتجاوزنا ما انطلقوا منه، ليعود النقاش إلى مرحلة ما قبل الصفر حول جدوى الدستور وحاجتنا إلى الحريات.

دستورنا العزيز، لك مني العذر يوم ميلادك، فرغم أنك واحدٌ من أرقى دساتير العالم، فإننا كمجتمع ومواطنين لا نستحقك، فقد أسأنا إليك كثيراً، وتجاهلناك، وتجاوزناك، وتعاملنا معك بتعالٍ، وكأنك حق مكتسب، والأخطر من ذلك أننا سلمناك دون اكتراث إلى يد من يلعب بك ويشدد على بعض موادك وأحرفك- بالأخص حرف الواو- بينما نجده يتراخى في ما تبقى منك.