وضع الكويتية... بائس بائس بائس!
أنا ممّن يسافرون كثيراً جداً، وأعترف بأني منذ سنوات أصبحت أعتمد دائماً على «طيران الإمارات»، غير مكترث لأن يُضاف إلى رحلتي الزمن الإضافي الذي سأستغرقه للطيران إلى دبي والانطلاق من هناك. وللأمانة، فالأمر ليس مبنياً أبداً على تفضيل عاطفي تجاه «طيران الإمارات»، بقدر ما أنه، ومن واقع تجربة طويلة، لم أجد منه إلا الخدمة الراقية والعمل المحترف والالتزام المهني المتقدم، لذلك كنت أحجز مقعدي لأنام قرير العين مطمئناً.
منذ أيام سافرت على متن «الخطوط الجوية الكويتية»، وأتوقف هنا لأقول إنني لست بصدد عقد مقارنة بين «الكويتية» و»طيران الإمارات»، إنما جئت بالمقدمة ليكون واضحاً سبب صدمتي بما رأيت من خطوطنا لانقطاعي عنها سنوات طويلة، أعود لأكمل فأقول إنني ذهبت إلى المطار قبل الرحلة بساعتين تماماً، مع أنني لا أحمل إلا حقيبة يد، وإذا بمئات المسافرين وقد تكالبوا على «كاونترات» «الكويتية»، وامتد الطابور إلى خارج المطار ليصطفوا تحت وطأة الحرارة اللاهبة، فتختلط أنفاسهم اللاهثة ورائحة عرقهم وصيحات تذمرهم بعضها مع بعض في عجين مريع!مشهد ثقيل يبعث على التشاؤم والكدر من الوهلة الأولى، زاده عسراً ما وجدته من موظفي «الكويتية»، فلا أحد منهم يكترث بتنظيم الناس أو الحرص على راحتهم، ونفوسهم ثقيلة، والابتسامات لا تعرف طريقاً إلى وجوه أغلبهم، وبعضهم يدخن نافثاً دخان سجائره في الجو الخانق أصلاً من دون مراعاة للقانون، ولا للمطار الذي لا يسمح بالتدخين إلا في الأماكن المخصصة، ولا لهيئة الشركة الوطنية التي يعمل لديها، وبعضهم كان لا يتورع عن «التوسط» علناً وبكل وقاحة لمعارفه، متجاوزاً خلق الله الذين ينتظرون دورهم!انتهيت من ذلك الموقف الطويل، والذي قضيت وقته بتسجيل ملاحظاتي على مَن أشاهده سواء من «الكويتية» وموظفيها، أو من الناس، ومراقبة سلوكياتهم البشرية، التي تدفع كثيرا منهم إلى تصرفات غير متوقعة في مثل هذه المواقف. وصلت بعد زمن بدا وكأنه دهر إلى الطائرة، وإذا بنفوس المضيفين ليست أقل ثقلاً من نفوس زملائهم الموظفين الأرضيين، وكأن «الكويتية» قد أصدرت فرماناً بمنع الابتسام في وجوه المسافرين، لأن البسمة تميت القلب وتقلل مهابة الشركة! وحين هممت بالجلوس وإذا بأرضية المقعد القماشية منزوعة من جانبها وقد ظهر إسفنجها القديم المتهالك، فحاولت أن أغطيه فلم أفلح لأجلس حامداً ربي على كل حال، واستغرقت أتجول ببصري في أنحاء الطائرة المختلفة، فإذا بها سيدة عجوز قد شاخت وهرمت وتكاد تكون تهالكت.لن أطيل أكثر، فقد وصلت بحمد الله ورعايته إلى وجهتي، بعدما تخللت الرحلة وجبة خفيفة كان من ضمن مكوناتها كيس بطاطس «كتكو»، أي والله «كتكو»، لأقرر بعدها أنني باقٍ على عهدي السابق، مع كل احترامي وحبي للوطن ومؤسساته!«الكويتية» تقوم هذه الأيام بحملة إعلامية محمومة، رأيت لها إعلانين، أحدهما يقول «سافر بأمان مع الكويتية»، أو شيئا من هذا القبيل، وآخر يقول «منذ 1954» كدلالة على الخبرة الطويلة، ومن حق «الكويتية» أن تقوم بمثل هذه الحملة، خصوصاً بعدما انحدرت شعبيتها بسبب تردي المستوى، لكن ليست كل الحملات الإعلامية دائماً مفيدة، خصوصا إذا لم يتوافق مضمونها مع ما يراه الناس مباشرة على أرض الواقع.عن أي خبرة طويلة وعراقة ومهنية تتحدث «الكويتية»، وموظفوها الذين يتعاملون مع الناس بشكل مباشر على هذه الدرجة المتدنية من المهنية؟! وما هو الأمان الذي تتحدث عنه «الكويتية» والناس ترى وتقرأ وتسمع عن الأعطال المتكررة لطائراتها، وترى وتلمس قِدم وتهالك أسطولها بنفسها؟!