إذا استثنينا قنوات أبوظبي ودبي وقطر التي خرجت كل واحدة منها من عباءة وزارة الإعلام وأصبحت مؤسسة ذات طبيعة إدارية مشابهة لطبيعة العمل في القطاع الخاص فإن جميع القنوات الحكومية قد انسحبت رغما عنها إلى الصفوف الخلفية.
قبل عامين تقريبا قام مجموعة من السجناء في مدينة شمال غرب السعودية بإحراق السجن احتجاجا على عدم وجود قنوات فضائية، يومها قرأت الخبر من زاوية أن السجناء استطاعوا تحمل كل مرارات السجن ولكنهم لم يستطيعوا الصبر على (غثاثة) التلفزيون المحلي.واليوم تبدو التلفزيونات الحكومية بلا عمل مثلها مثل الموظف البليد الذي يرتبط بصلة قرابة مع زوجة المدير العام، فالأخبار السياسية تنقل لحظة حدوثها على المحطات الإخبارية الخاصة قبل أن يستيقظ مذيعو التلفزيون الحكومي من قيلولتهم، ودوري كرة القدم في أغلب الدول العربية محتكر من قبل المحطات الرياضية الخاصة، والمسلسلات والأفلام الجديدة تعرض بشكل حصري على فضائيات الدراما الخاصة، وبرامج الشعر والتراث أصبح لها قنواتها الفضائية المتخصصة، وكذلك الحال بالنسبة للموسيقى والطرب بأنواعه، ولم يعد الأطفال بحاجة لمعرفة موعد مسلسلات الكارتون في تلفزيون الحكومة بعد أن توافرت لهم العديد من الخيارات التي تعرض المسلسلات الكارتونية دون توقف.حتى البرامج الوثائقية أصبح لها محطاتها الشهيرة، وكذلك الحال بالنسبة للقنوات الدينية، ولم يعد لدى تلفزيون الحكومة ما يقدمه لمشاهديه الذين لم يكذبوا خبرا حين وجدوا الفرصة سانحة للهروب من شاشته التي فرضت عليهم منذ أن كانوا أطفالا، ولم تجد التلفزيونات الحكومية مبررا لوجودها أفضل من التشبث بقشة حملات التوعية والإرشاد، ولكن حتى هذه القشة الصغيرة تعرضت لضربة قاصمة بعد أن أصبحت الجهات الحكومية مثل وزارات الصحة والمياه بل حتى وزارات الداخلية تفضل أن تقدم حملاتها الإعلامية على هيئة إعلانات مدفوعة الثمن في الفضائيات الخاصة، على أن تعرضها بالمجان في تلفزيون الحكومة الذي لا يشاهده أحد.وإذا استثنينا قنوات أبوظبي ودبي وقطر التي خرجت كل واحدة منها من عباءة وزارة الإعلام وأصبحت مؤسسة ذات طبيعة إدارية مشابهة لطبيعة العمل في القطاع الخاص فإن جميع القنوات الحكومية قد انسحبت رغما عنها إلى الصفوف الخلفية، وهذا عائد إلى عدة عوامل أهمها أنها تلفزيونات غير مستقلة، ما يعني محاسبتها من قبل مختلف فئات المجتمع على كل همسة أو لقطة تعرض على الشاشة، كما أن طبيعة العمل الحكومي تقضي على الإبداع، فمقياس كفاءة الموظفين يقوم على الدرجة والوظيفية والأقدمية وليس على الموهبة والحيوية، إضافة إلى إجبارها على عرض نشاطات الوزارات الأخرى، ما يؤدي إلى امتلاء ساعات البث بمواد لا يطيق المشاهدون التوقف عندها. الطريف في الأمر أن التلفزيونات الحكومية لا تعلم شيئا عن حقيقة هروب المشاهدين من أمام شاشاتها، حيث لا تفكر إطلاقا بتقيلص مصاريفها توفيرا للأموال العامة بل هي لا تكف عن التوسع في صحرائها الخاوية، حيث تواصل إطلاق المزيد من القنوات المتخصصة في مجالات الرياضة والثقافة والأسرة، ولكن الميزانيات الكبيرة بإمكانها جلب كل شيء باستثناء... المشاهدين. * كاتب سعودي كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
التلفزيون الحكومي وهروب المشاهدين!
25-11-2009