* يبدو لي أن حامل الموبايل، كحامل الهوى، تعب يستخفه الطرب! لاسيما إذا كان الجهاز العجيب المدهش الضرورة؛ لا يعاني شح الرصيد والطاقة؛ وغيرهما من المكابدات التي يخبرها الموبايليون بالضرورة! أما الإنسان الديناصور العازف عن استخدامه! فإنه يبدو كالزوج المخدوع: آخر من يعلم! وأحسبه لا يضيره أن يكون كذلك، لاختياره النأي بنفسه عن صداع حضور الموبايل، لمن شاء العزلة والهدوء والقطيعة مع العالم كله.

Ad

والحق أني لا أتصور إمكانية الحياة، في الألفية الثالثة، بدون حضور الموبايل، والاعتماد عليه في ممارسة الحياة اليومية كافة، إلى درجة بت أظن معها أن الإنسان في أيامنا هذه، يولد وبمعيته موبايلا مربوطا بحبل سرته! وأن صرخته الأولى التي يطلقها إثر ضربه على إليته ليست «واء» المعهودة بل «ألو» العالمية، أكثر المفردات استخدامها في القرية العالمية المختزلة للكرة الأرضية في عشية اليوم السابق لموعد الانتخابات البرلمانية اللبنانية، حدث «خلل فني» أدى إلى زيادة تردي خدمة الهواتف المحمولة كلها، وتواصل الخلل إلى ما بعد ظهور نتائج الانتخابات! ويظهر لي أن حضرة هذا الخلل الفني هو عدو لدود للأمة العربية، لأننا ننسب إليه انقطاع التيار الكهربائي، وشح الماء، وما يحدث من هنات وكبوات في البث التلفزيوني، واشتعال الحرائق، التي تكثر في غابات لبنان صيفا دون غيره من المواسم!

من هنا شعرت بارتياح حين صرح وزير الإعلام اللبناني بشأن سوء خدمة الهواتف المحمولة قبل وأثناء وبعد الانتخابات البرلمانية، وأرجعها إلى غزو إسرائيلي بفضاء لبنان الأغبر (الأخضر سابقا) بقصد التشويش على التواصل والاتصال فيه! وكان لسان حال المواطنين يقول: الحمدلله أن هذه الفعلة الإسرائيلية الإجرامية حدثت قبل مجيء السياح الخليجيين! خاصة أن إسرائيل دأبت في السنوات الأخيرة على تقويض الموسم السياحي بشتى السبل.

هأنذا أتورط-عنوة- بالخوض في شؤون السياسة على الرغم من رغبتي في أن تكون المقالة بعيدة عن السياسة التي يخوض فيها الجميع ولله الحمد!

* الشاهد أن لبنان الشقيق يترقب وصول السياح العرب، بدعوى أن حضورهم يحسن من أداء خدمات وزارة الكهرباء التي تتوب عن قطع التيار المتواصل غير المبرمج، وتعود إلى الالتزام بالقطع المبرمج الذي يعده اللبنانيون ترفا ونعيما لا يشعرون به إلا في بداية الموسم السياحي الصيفي.

ولعل الانتخابات النيابية كانت أحد أسباب عزوف العديد من السياح عن الحضور، أو تأخير حضورهم إلى ما بعد الانتخابات، ربما لأن الإعلام اللبناني بخاصة، والعربي بعامة أوحى للسياح وغيرهم بأن أمرا جللا قد يحدث قبل الانتخابات. ومن هنا تاهت الإعلانات الدعائية المروجة لأنشطة وفعاليات مهرجانات «بعلبك» وبيت الدين، وجبيل» وغيرها من جراء الرهاب الاجتماعي الذي أشاعته الأجواء الانتخابية الطافحة بالتوتر والقلق والخطاب الحماسي العرباوي المعهود.

وأمثالنا من السياح لا أخالهم يفيدون الاقتصاد اللبناني بشيء سوى «بوحسين» البعلبكي راعي الغنم الذي نشتري منه الخروف «الطلي» مذبوحا، و»بوعنتر» بائع الفول والطعمية في «الشبانية»، فضلا عن الجمعية التعاونية عند اللزوم! ذلك أننا نجلب معنا الكويت كلها مطبخا، وديوانية وشغالات وشغالين وكل طقوسنا وعاداتنا وتقاليدنا اليومية، وهو أمر ألفه اللبنانيون لكن الذي يزعجهم ويثير نكدهم وحفيظتهم هو: اللهو بالمفرقعات النارية الذي يمارسه الصبيان والأطفال بالظهيرة، ساعة القيلولة، لتيواصل ليلا، حتى ساعة متأخرة، لأن والدي الأطفال يسرحون ويمرحون في المرابع السياحية، تاركين الذراري والعيال برعاية أمهاتهم المستوردات اللواتي يقمن بدور أمهاتهم بالوكالة طوال الصيفية!

والمؤسف أن هذا الإزعاج حاضر كل صيفية، ربما لأن لبنان بات يعتبره من فلكلوره السياحي الصيفي، ولا يمكن أن يتخذ إجراء بشأنه؛ بدعوى أنه مشكلة خليجية حرية بتدخل مجلس التعاون، لاسيما أن لبنان عودنا على عدم تدخله في الشؤون العربية!!