اليوم، وفي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، من المفترض أن يتم التصويت على الحقوق المدنية لـ»البدون»، تلك الفئة المظلومة التي عانت الحرمان لعقود طويلة في بلدنا، فأن تعيش الحرمان والظلم في بلدان فقيرة، فهو أمر صعب بلا شك، لكن أن تعيش هذا الحرمان والظلم في بلد الخير الذي وصلت أياديه البيضاء إلى شتى بقاع العالم، فهو أمر أصعب بكثير من الحالة السابقة.

Ad

الحكومات المتعاقبة وللأسف الشديد لم تعمل على إيجاد حل لهذه القضية، بل على العكس عملت على محاولة إذلال هذه الفئة وتشجيعهم على الحصول على جوازات مزورة لبلدان لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد، وحصل كل ذلك على أيدي اللجنة التنفيذية لـ»البدون» التي كان وجودها سلبياً على القضية وعلى سمعة الكويت، ولو كانت الحكومات المتعاقبة قد حسمت هذه القضية منذ زمن بعيد (أي قبل الغزو الصدامي) لما تفاقمت القضية بهذا الشكل المخيف الآن.

فلا يعقل أن فئة مهمة في البلد وفي القرن الحادي والعشرين لا تملك حتى الآن حق إصدار شهادات ميلاد وغيرها من الوثائق المهمة، وهي المشكلة التي باتت تؤثر حتى في حياة المواطنين، وقد نشرت إحدى الصحف يوماً خبراً عن عدم تمكن كويتيين من إصدار شهادات ميلاد لأطفالهم لأن زوجاتهم من «البدون»! هذا بخلاف حرمان «البدون» من الحصول على الحد الأدنى من التعليم والصحة وغيرها من الخدمات، والذي أدى إلى مشاكل كثيرة منها كثرة الإنجاب بسبب الجهل أو قلة الثقافة.

إن إعطاء الحقوق المدنية لـ»البدون» ودمجهم مع المجتمع لا يعد مجرد إنصاف ورفع الظلم عن مظلومين فقط، بل قد يشكل فائدة كبيرة للبلد إذا تم إحلال شبابهم وشاباتهم الذين يعاني أغلبهم البطالة والظروف الصعبة محل الأيدي العاملة الأجنبية، وهو ما سيعود بالنفع على الاقتصاد المحلي لأن رواتبهم ستصرف في السوق المحلي بدلاً من تحويلها إلى الخارج.

وعندما نتحدث عن الحقوق المدنية فلا نقصد التجنيس مع أنه يجب وضع معايير واضحة لتجنيس المستحقين منهم من دون اللجوء إلى بعض القيود الأمنية الظالمة المبنية على قاعدة (تزر وازرة وزر أخرى). فالقضية أشبعت بحثاً وتمحيصاً وآن أوان حسمها بشكل جذري بدلاً من إضاعة الوقت في المزيد من تشكيل اللجان والنقاش العديم الفائدة.

فكلما تأجل حسم الموضوع زاد تشويه سمعة بلدنا في الخارج وتفاقمت المشاكل المصاحبة لهذه القضية ومنها محاولة البعض استغلال ظروف الفقر والحرمان التي تعيشها هذه الفئة لتجنيد المسلحين للعراق وأفغانستان (مع إقرارنا بأنهم قلة قليلة)، فالحرمان وقطع الأرزاق يؤدي إلى اللجوء إلى خيارات كثيرة غير سوية، وهو أمر طبيعي قد نلجأ نحن إلى الخيارات نفسها لو كنا مكانهم، فقد أُثرت مقولة نسبت إلى الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، والصحابي أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه): «عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه».