يا وحدة... يا وطنية؟!

نشر في 02-02-2010
آخر تحديث 02-02-2010 | 00:01
 د. حسن عبدالله جوهر مع كل تقدير للإخوة النواب الذين تقدموا بطلب عقد جلسة خاصة لمجلس الأمة لمناقشة موضوع الوحدة الوطنية، إلا أن هذا الاقتراح سيكون مصيره الفشل ولن يتعدى أحد احتمالين: فإما تبادل الاتهامات بتحريض الفئات الشعبية وتأجج مشاعرها والنزول بها إلى الشارع إذا كانت الجلسة سرية، وإما التغني بالشعارات والتأكيد على أواصر الوحدة والألفة والمحبة والدعوة إلى سيادة القانون إذا كانت الجلسة علنية، وفي كلتا الحالتين لن يتجاوز الاجتماع كونه إبراءً للذمة أو فرصة لإيصال رسائل من بعض النواب إلى قواعدهم بأنهم عبروا عن مكنونات صدورهم وأطفؤوا حرارة قلوبهم.

إن موضوع الوحدة الوطنية ليس كبرنامج ما يطلبه المشاهدون أو محطة في قناة تلفزيونية لها وقت محدد ونختارها متى نشاء، وسرعان ما تنقضي ويبدأ بعده البرنامج العام بغثه وسمينه، صالحه وطالحه، فلطالما كانت هناك محطات توقف عند بؤر الفتن بأنواعها وقيل ما قيل في حينها، ولكن نجد أن "حليمة تعود إلى عادتها القديمة"، والأكثر من ذلك لم نجد في تاريخ الكويت أن يركز صاحب السمو الأمير في خطاباته الرسمية والشعبية وباستمرار على مخاطر الفتنة الطائفية والقبلية والمنطقية ويرمز بوضوح إلى مؤشراتها، لكن دون أن تجد هذه التعليمات الآذان الصاغية والعقول المسؤولة لتلقفها والعمل على مواجهتها عملياً.

ولا نشك لحظة في أن الأغلبية الساحقة من أبناء الكويت يستشعرون مرارة الأوضاع العامة وتفتت الساحة الوطنية، وما تشهدها من استقطابات واصطفافات وسط تعبئة ثقافية وفكرية وإعلامية منظمة ومتواصلة، ولا ننكر الحاجة الملحة إلى طرق هذا الموضوع بكل شفافية وصراحة ووضع النقاط على الحروف، ولكن ليس على طريقة رد فعل آنية أو جلسة عابرة لمجلس الأمة.

وكان على الإخوة ممن تقدموا بهذا المقترح أولاً التشاور مع زملائهم فرداً فرداً قبل تقديم الطلب إضافةً إلى التنسيق مع الحكومة لتحديد مسار مثل هذه الجلسة، ومبررات عقدها والموضوعات المطلوب مناقشتها والاقتراحات والحلول المناسبة لتبنيها وآلية ضمان الحد الأدنى لنجاحها، وأخيراً وضع معايير تقديمها ومتابعتها.

فالوحدة الوطنية يفترض أن تكون مشروع دولة وخياراً استراتيجياً لبناء مجتمع متكامل في ظل وجود مؤسسات رسمية تشرف على ترجمتها وقادرة على بناء الإنسان بحسه الوطني وسلوكه الوطني وعقليته الوطنية، كما يفترض أن تقيَّم مسيرة مؤسساتنا الحكومية كالتربية والإعلام والأوقاف على وجه التحديد، وماذا عملت طوال مسيرة نصف قرن من الزمان لخلق مواطن لا تتقاذفه يميناً ويساراً رياح التطرف المذهبي والقبلي والعائلي.

فالوحدة الوطنية قد تتطلب حزمة من التشريعات التي تحجم مروجي الفتنة والتعصب والتمصلح على حساب الانتماء الضيق، والضرب بمصلحة البلد والمواطنين عرض الحائط، وكذلك روح المسؤولية في تطبيق مثل هذه التشريعات لتكون عبرة للجميع.

والوحدة الوطنية يجب أن تنطلق من سلوكيات وسياسات الحكومة المهيمنة على أوضاع البلاد التي يفترض فيها الحيادية والموضوعية التامة، وإذا كانت المصالح الانتخابية للنواب تسيِّرهم خلف أهواء الشارع الانتخابية وضمان كراسي عضويتهم، فما عذر الحكومة التي رسخت مبادئ المحاصصة بكل أنواعها، وأطلقت يد كبار موظفيها لتكريس هذه المحاصصة في الأجهزة والهيئات التابعة لها؟!

وأخيراً، إذا كان النواب بالفعل جادين في تحريك مشروع الوحدة الوطنية فعليهم قبل التفكير في عقد جلسة خاصة لهذا الموضوع إعداد قانون انتخابي جديد يعزز مفاهيم هذه الوحدة وفق قوائم وطنية، وتقديمها كهدية إلى الشعب الكويتي في مثل هذه الدعوة إلى عقد جلسة خاصة في هذا الخصوص.

back to top