المُضحك "وشر البلية ما أضحك" أن حركتَي "فتح" و"حماس" أعلنتا الخميس الماضي، بدء مفاوضات مباشرة في بيروت استباقاً للمفاوضات المباشرة بين منظمة التحرير وإسرائيل، وهذه مفارقة تدعو إلى المرارة المجدولة بالسخرية، إذ إن المأزق الذي تمر به القضية الفلسطينية من المفترض أن يدفع هاتين الحركتين إلى إنهاء الانقسام بينهما، حتى من دون مفاوضات لا مباشرة  ولا غير مباشرة، لنزع كل الحجج والمبررات التي يستعين بها بنيامين نتنياهو ليظهر كل هذا الصَّلف والتعنُّت والعنجهية.

Ad

لا توجد ضرورة لأن تتفاوض "الحركتان" الشقيقتان الحبيبتان، ومن الحب ما قتل، لا في بيروت ولا في غيرها، لو أن دوافع هذا الانقسام وطنية فلسطينية، لا تحت إلحاح "الأجندات" الخارجية والمصالح التنظيمية والحركية الضيقة، فبلاد فلسطين واسعة رغم ضيقها ووقوعها كلها تحت الاحتلال إن بصورة مباشرة وإن بصورة غير مباشرة، والطريق إلى استعادة الوحدة السابقة المهزوزة والمتأرجحة والتي كانت حبلى بهذا الانقسام واضح ومعروف، وبدايته دعوة محمود عباس "أبومازن" أو استدعاؤه للمجيء إلى غزه ليمارس من هناك صلاحياته الرئاسية في الوطن الواحد الذي يتغنى أولئك وهؤلاء به.

أليس مضحكاً فعلاً أن تبدأ الحركتان "الشقيقتان" مفاوضات مباشرة ليس في غزة ولا في الضفة الغربية، بينما يعود جورج ميتشل إلى الشرق الأوسط مجدداً وليس معه هذه المرة جزرة وعصا، بل خيار يقول فيه للفلسطينين: "البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، وليس لكم، ورأس باراك أوباما، إلَّا هذا الخيار الذي ليس لكم خيار غيره، إلَّا ترككم وجهاً لوجه أمام نتنياهو وليبرمان، وترك إخوتكم العرب يتفرجون عليكم ويتلذذون بحزمكم حزم السَّلمة وضربكم ضرب غرائب الإبل!".

كانت جولات المفاوضات بين حركة "فتح" التاريخية، التي انطلقت في الفاتح من يناير عام 1965، بعد اجتماع حضره وشارك فيه "الآباء المؤسسون" على شاطئ الصليبيخات في الكويت، وبين حركة "حماس" الطارئة والمستجدة والوليدة، والتي لم تكُن قد أعلنت نفسها بصورة رسمية بعد، قد بدأت قبل الانتفاضة الأولى، أي انتفاضة عام 1987، وقد تنقلت بين عواصم عربية كثيرة، لكن الخلاف التناحري بين هاتين الحركتين بقي قائماً وفي تصاعدٍ مستمر، إلى أن حدث ما حدث ووقع ذلك الانقلاب المشؤوم وتحققت هذه المهزلة التاريخية، إذ باتت هناك محميّة غزة الإيرانية المُحاصَرة، ودولة الضفة الغربية المحتلة والممزقة بحراب الجيش الإسرائيلي وحواجزه المنتشرة كنتوءات سرطانية في كل مكان.

"حماس" باتت تريد، بصورة معلَنة وعلى رؤوس الأشهاد، دولة على ما احتله الإسرائيليون من أرض فلسطينية في عام 1967 مسبوقة بهدنة مجانية عشرين عاماً، ومنظمة التحرير التي عمادها حركة "فتح"، تريد الدولة نفسها وعاصمتها القدس على حدود الرابع من يونيو من العام ذاته، وبالطبع من دون لا فترة سماح ولا هدنة، لا مجانية ولا مدفوعة الثمن، لا عشرين عاماً ولا عاماً واحداً.

إذاً، لماذا هذا الخلاف ولماذا الذهاب إلى ديار أخوال جورج ميتشل لإجراء هذه المفاوضات المباشرة التي يطالب بها الموفد الأميركي، ليس بين الفلسطينين أنفسهم، بل بينهم وبين الإسرائيليين؟ أليست هذه مسخرة وسُخرية وإحدى مهازل هذا التاريخ الفلسطيني والعربي المريض؟