ايران من الداخل سخط الخاصة ورضا العامة


نشر في 28-12-2009
آخر تحديث 28-12-2009 | 00:00
 محمد صادق الحسيني ماذا يجري في إيران منذ نحو ستة أشهر حتى الآن؟ سؤال كبير لن نستطيع الإجابة عنه كاملا في هذا المقال، لكن «ما لا يدرك كله لا يترك جله» كما يقال.

ثمة من يعتقد أن الفتنة الراهنة قد بدأت في الواقع منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية الملعونة، وما رافقها من تداعيات أدت إلى عزل الإمام لنائبه الذي وافته المنية منذ أيام.

فالفتنة متواصلة منذ إقالة منتظري من مقام القائم مقامية للإمام حتى تشييعه قبل أيام، والذي تحول إلى مادة دسمة للطعن في النظام، مرورا بجولات الكر والفر الأخيرة بين الحراك الشعبي الملتف حول الرئيس أحمدي نجاد، والآخذ في التحول إلى «قيامة» ثانية تشبه قيامة الثورة الشعبية الأولى، وبين معارضة نخبوية واسعة له، والخاصة من أهل الطبقة السياسية التي تتخبط في مسلكياتها وتكتيكاتها واستراتيجياتها، معلنة سخطها الدائم على الأوضاع، ومبدية تبرمها المستمر من كل ما هو سلطان حازم ورأي صارم لا سيما تجاه الخارج بذريعة أن ذلك يفقد إيران تعايشها السلمي مع ما يسمى بالمجتمع الدولي.

إذ كان الزمان يومها زمان اختبار صعب والوضع حرج للغاية عندما قرر الإمام المؤسس الراحل قبول وقف إطلاق النار مع العراق... وفي تلك اللحظة بالذات كان القرار قد اتخذ بالمقابل في غرف الظلام الدولية والإقليمية باعتماد منظمات متهمة بارتكاب أعمال إرهابية واسعة ضد الأهالي ورموز الدولة، تنطلق من مقارها المعتمدة في العراق زاحفة عبر الحدود متجهة إلى العاصمة طهران لاغتنام فرصة «ضعف» مفترضة للنظام لإجل إسقاطه، وذلك تعويضا عن فشل حرب السنوات الثماني العبثية الملعونة.

فما كان من الإمام إلا أن يبدي حزمه وشوكة سلطانه تجاه العدو الخارجي ليوقف الزحف أولا، ويشد عضد الجمع الحاكم والعصب الاجتماعي العام ثانيا منعا لحصول تدهور محتمل، وهو ما نجح فيه بامتياز.

لكن ذلك ما لم يتفهمه المنتظري جيدا يومها، وبعض ممن يحسبون على الخواص من النخبة، ما دفع آية الله الأعظم والإمام المؤسس إلى عزل نائبه وقائم مقامه المفترض آية الله منتظري، ذلك لأن استمرار الحكم كان يتطلب قرار سلطان حازم أكثر مما كان يتطلب روية شيخ متسامح.

وبالمناسبة فقد وقف يومها كل رموز المعارضة الداخلية الحاليين على يسار الإمام المؤسس مطالبين بكنس وتهديم بنيان آية الله المعارض إلى أن تحول إلى علم من أعلام المنشقين على النظام، فإذا بهم يرفعونه علما ويستخدمونه بمنزلة قميص عثمان للتمرد على سياسة القائد الجديد تحت نفس الذريعة: قسوة الخطاب والصرامة الزائدة عن اللزوم مع المجتمع الدولي.

لقد أفرزت تلك المرحلة فيما أفرزت بالإضافة إلى بروز تيار أطلق على نفسه التيار الإصلاحي، بروز تيار آخر ظل يعتاش ويتغذى طفيليا على طاولة التيار الإصلاحي متدثرا بعباءته ومتقمصا لباسه، مبطنا في الوقت نفسه تبرما لكل ما هو أساس في تشكيل بنيان النظام.

إلى أن جاء الدور لحكم الرئيس أحمدي نجاد الذي صعد إلى سدة الرئاسة بشعاره الشهير «لقد جاءكم رجل من جنس الناس». وهو رد فعل اعتبره العارفون ببواطن الأمور في إيران بمنزلة رد فعل شعبي كان متوقعا ووليدا طبيعيا كان ينتظر أن يولد من بطن تلك التحولات التي كادت أن تقتل الأم «الولادة» للتغيير مع كل أولادها.

وأخيرا وليس آخرا جاءت واقعة تمزيق صورة الرمز والمؤسس، أي الإمام الخميني الراحل، وكل ذلك ورموز المعارضة الدينية الحاليون والمنضوون تحت رايته كما يفترض إما ساكتون وإما مبررون.

وأما يوم تشييع آية الله منتظري وما قيل إن البعض قد ذهب إلى حد نزع حجابه علنا، فقد اعتبر بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير لأنه استدعى بالذاكرة حركة «كشف الحجاب والسفور» التي أقدم عليها الشاه رضا الأب، والتي أدت إلى تأليب الرأي العام الإيراني ضده وإسقاط مشروعيته ومقبوليته الجماهيرية إلى الأبد هو ومن ثم ابنه.

خلاصة الأمر أن ما آلت إليه أحوال رموز المعارضة الدينية الحاليين من أهل الداخل، إلى أنهم أصبحوا ليس فقط أقلية نخبوية معزولة بل مطية للخارج ولشلة من المارقين، اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني 

back to top