لا يستقيم مجتمع حديث دون ضمانته لحرية التعبير دون قيود، فإن كان ولا بد تكون القيود تلك في حدودها الدنيا. ولعل أضعف حلقة في الافتئات على الرأي الآخر تأتي في إطار قوانين فضفاضة عباراتها تصلح لكل زمان، ولكن لا طعم ولا لون ولا رائحة لها.

Ad

عندما تم تجميد الدستور في صيف 1986 أصدرت الحكومة حينها تعديلاً على قانون المطبوعات يتيح بموجبه وجود رقيب من وزارة الإعلام في كل صحيفة، بالطبع كان لدى الرقيب قائمة بالممنوعات التي سيؤدي نشرها إلى "زعزعة الأمن" و"تقويض نظام الحكم".

وكان على رأس تلك القائمة كلمة الديمقراطية والدستور والمشاركة الشعبية، وأذكر حينها وفي ليلة الخميس الباهتة كنا نعمل في جريدة الوطن، وكان مقرراً نشر مادة على الصفحة الأخيرة حول عودة المشاركة الشعبية لإسبانيا، إلا أن الرقيب كان له رأي آخر، حيث اتضح أن كلمة المشاركة الشعبية والانتخابات تمس مساً مباشراً أمن الدولة، ولذا تم إلغاء الصفحة كاملة، أما الأظرف من ذاك فقد كان حظر نشر صور أو أسماء أعضاء مجلس الأمة المنحل، ولم يكُن لنا أن نكتشف ذلك إلا لأنه كان مقرراً نشر صور لحفل زفاف تصادف أن أحد النواب كان من المهنئين، وذهبت محاولات الإقناع أدراج الرياح، حيث كان بالإمكان نشر صورة النائب السابق دون اسم أو الإشارة إليه، فاضطررنا إلى الاقتناع بوجهة النظر الحكومية وخطوطها الحمراء التي تقضي ضمن ما قضت فيه حينها بأن نشر صورة نائب سابق ستزعزع الأمن. بالطبع اكتشفنا لاحقاً عندما حدث الغزو في إطار رقابة حكومية صارمة معنى الأمن في ذهن حكومتنا الرشيدة.

اعتمدنا على فهمهم للأمن فاتضح لنا أنه كفهمي في الصين، واتضح لنا بالوثائق المرمية في كل مكان، أن أمن الدولة كانت أولوياته مراقبة ديوانية، وملاحقة كاتب، والتجسس على هواتف الناس أصحاب الرأي، وتركونا لوحدنا لنواجه بصدورنا آلة أعتى نظام قمعي في العصر الحديث، فأُسر منا من أُسر وعُذِّب منا من عُذِّب واستُشهد منا من استُشهد وصمد منا من صمد.

أدركنا حينها أن أمن الدولة لا يتحقق إلا بالحرية والاختلاف السلمي، وأنه لا يزايد أحد على أحد بالانتماء والولاء، فقد كنا في مواجهة الغزاة نسيجاً واحداً لا يخاف أحد من أحد. حكاية مرت بخاطري سائلاً الله ألّا تعود.