التغير هو الثابت الوحيد في السياسة، فالسياسة هي فن الممكن، والممكن يبقى نسبياً ولا يمكن إخضاعه للمطلقات وذهنية الثوابت، ويصح ذلك بصورة أكبر وأوضح على الأنظمة الديمقراطية أو شبه الديمقراطية كما هو الحال عندنا.

Ad

عندما انشق عن حزب العمال عدد من كبار ساسته مثل روي جنكنز وشيرلي وليامز وديفيد اوين قبل حوالي 3 عقود، وشكلوا الحزب الديمقراطي الاجتماعي، طغى حديث ساخن حول تغيرات جذرية قادمة في النظام السياسي البريطاني القائم على نظام برلماني مرتكز على حزبين كبيرين، لم يتحقق ذلك التغيير المفترض، واضطر الحزب الجديد أن يندمج مع الحزب الليبرالي بعد مغادرة زعيمه المرموق ديفيد ستيل ليشكلا حزباً جديداً باسم الحزب الديمقراطي الليبرالي.

وهكذا انتظرنا زمناً حتى يحدث الاختراق ويتحول الاستقرار إلى ارتباك، فالبرلمان معلق والحزب الثالث على الرغم من قلة أصواته دخل المعادلة ليصبح صانعاً للملوك.

حالة سياسية جديدة لم يعرفها سياسيو بريطانيا من قبل، وهي ليست شبيهة بحالة ادوارد هيث في 1974. لعل أحد أبرز دلائل الارتباك أنه ولأول مرة يخرج زعماء الأحزاب الرئيسة في مؤتمرات صحافية بعد إعلان النتائج ليتفاوضوا عبر الإعلام وهو أمر غير مسبوق.

أتابع الانتخابات البريطانية منذ قرابة ثلاثة عقود، وقد ظلت نموذجاً للاستقرار وعدم التغير، فالملكة تستدعي زعيم الحزب الفائز وتكلفه بتشكيل الحكومة، أما الآن فالحسبة قد اختلفت وستبقى المسائل العالقة حتى حين وإن كانت القضية الأهم هي إن كان بالإمكان تحقيق مطالب قديمة لحزب الأحرار حول إصلاح النظام الانتخابي بحيث يصبح نظام تمثيل نسبي، فإن تحقق ذلك فإنه يعني تغييرات جذرية تتجاوز مجرد مشكلة البرلمان المعلق.

ويبدو أن الانتخابات العراقية قد أصابت أختها البريطانية بالعدوى، ولسان حالهم يقول اللهم لا شماتة. بالطبع في العراق كل شيء مقبول، أما في بريطانيا فالحديث الدائر بين السياسيين البريطانيين يتمحور حول القلق من قلة الخبرة في التعامل مع وضعية كهذه فهل نتصور أنهم يشكون قلةَ الخبرة في بريطانيا؟

أما في الكويت، ومع أننا لا نعاني "قلةً" في الخبرة، فلدينا خبراء في كل شيء! يفقهون في كل شيء! ومع أن حالتنا السياسية متردية ومهترئة، فإنه ومنذ 2003 قد تعرض نظامنا لتغيرات وإضافات رئيسة ومحورية، وهي وإن كانت لم تنعكس على أرض الواقع في تحسن الأداء، فإن التغيير قادم شاء من شاء وأبى من أبى.