دعوة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، التي أطلقها بعد أن أدَّى صلاة يوم الجمعة الماضي في الحرم الإبراهيمي وحذَّر فيها من مغبة الانجرار إلى المواجهات الساخنة مع الإسرائيليين، جاءت في مكانها، ووضعت الإصبع على الجرح، فهدف قرار بنيامين نتنياهو ضمّ هذا المكان الإسلامي المقدس ومعه مسجد بلال بن رباح في بيت لحم هو استدراج الفلسطينيين إلى التصعيد وحمْلهم على إعادة النظر في قبولهم المفاوضات غير المباشرة التي من المفترض أن تبدأ خلال ثلاثة أسابيع على الأكثر.

Ad

كان بنيامين نتنياهو يدرك أن هذا «القرار» الذي اتخذته حكومته، بينما باتت المفاوضات غير المباشرة على الأبواب، سيكون سلاحاً ماضياً ستستخدمه حركة «حماس» ومعها كل الذين يقفون على الأرضية التي تقف فوقها من عربٍ وفلسطينيين لابتزاز محمود عباس (أبومازن) وإرغامه إرغاماً على التخلي عن موافقته على المفاوضات غير المباشرة التي جاءت كمحصلة لجهدٍ أميركي وأوروبي دعمته، إن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، معظم الدول العربية.

عندما اتخذ بنيامين نتنياهو هذا القرار، الذي ضم بموجبه الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل ومسجد بلال بن رباح في بيت لحم المجاورة، فإنه تقصَّد استفزاز الفلسطينيين وحمْلَهم على القيام بردود فعل عنيفة واستدراجهم إلى الانتفاضة الثالثة التي بادر رئيس وزراء دويلة «حماس» في غزة إسماعيل هنية إلى الدعوة إليها على الفور، ليضع محمود عباس (أبومازن) ويضع العرب والمسلمين الذين أيَّدوا هذا التوجه تحت ضغط الشارع وحمْلهم على إدارة الظهر للمفاوضات غير المباشرة لتتخلَّص إسرائيل من هذا الاستحقاق، ولتـُظهر الفلسطينيين على أنهم «ضيَّاعو فرص» وأنهم لا يريدون السلام.

والمعروف أن إسرائيل كانت قد لعبت هذه اللعبة أكثر من مرة خلال كل عقود وسنوات صراع الشرق الأوسط الذي هو أكثر الصراعات تعقيداً على مدى التاريخ، ففي عام 1947 عشية قيام هذه الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين اتخذت الأمم المتحدة قرار التقسيم الشهير، ولأن الإسرائيليين أدركوا أن العرب والفلسطينيين سيرفضونه فقد واجهوه بالصمت، وكانت النتيجة أن الدول العربية، باستثناء الأردن في عهد الملك عبدالله الأول، رحمه الله، بادرت إلى رفضه، فحقق الإسرائيليون غايتهم وحمَّل المجتمع الدولي «الطرف الآخر» مسؤولية ما كان يعتقد أنه فرصة للحلِّ والسلام.

وهذا حصل أيضاً بعد حرب يونيو عام 1967، إذ واجه العرب، باستثناء الأردن ومصر، ومعهم الفلسطينيون بالطبع الذين كانوا لايزالون في بدايات ثورتهم، ولم تكن منظمة التحرير قد أصبحت ممثلهم الشرعي والوحيد بعدُ، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بالرفض، واتهموا كل مَن وافق عليه وتعاطى معه بالخيانة، حتى بما في ذلك الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهذا حقق لإسرائيل ما كانت تريده وما كانت تسعى إليه.

والآن، فإن المتوقع أن تسعى الفصائل الفلسطينية التي اجتمع بقادتها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في دمشق خلال زيارته الأخيرة لسورية، إلى التصعيد لخلق مبرِّر لبعض الدول العربية للضغط في اتجاه رفض اقتراح المفاوضات غير المباشرة، عندما ستجتمع لجنة المتابعة العربية التي من المفترض أن تجتمع في القاهرة بعد غد الثلاثاء، وهذا هو ما أراده بنيامين نتنياهو، عندما اتخذت حكومته قرار ضم الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال بن رباح إلى قائمة المواقع الأثرية الإسرائيلية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة