تعليقا على مقالي المنشور في هذه الصفحة يوم الأحد 6/6 عن الاستجواب الأخير الموجه إلى رئيس مجلس الوزراء في شأن أم الهيمان، بدلاً من توجيهه إلى الوزيرين المسؤولين عن البيئة أو الصناعة، لم أكتم خشيتي من أن يؤدي الإسراف في تقديم الاستجوابات إلى رئيس مجلس الوزراء إلى تنقيح فعلي للدستور، بتعديل المسؤولية الفردية للوزراء أمام مجلس الأمة إلى مسؤولية تضامنية، يطرح فيها عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، بديلاً عن طرح الثقة بالوزير المسؤول، وهو أمر يهدد استقرار الحكم.
والواقع أن هذا الاستجواب وغيره من الاستجوابات الموجهة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، وذلك الذي يلوح به في الشأن الرياضي، إنما تتكئ جميعاً في هذا التحول الخطير في مسار الاستجوابات، وفي مساءلة رئيس مجلس الوزراء سياسياً، بدلاً من الوزير المختص، على المادة (123) من الدستور، في ما تنص عليه من أن "يهيمن مجلس الوزراء على مصالح الدولة، ويرسم السياسة العامة للحكومة، ويتابع تنفيذها، ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية".وهو ما يطرح سؤالاً هو: هل يصلح هذا النص ليكون غطاءً دستورياً لكل استجواب يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء؟ وحتى تكون الإجابة واضحة عن هذا السؤال، رأيت أن أفرد للإجابة عنه هذا المقال.هيمنة مجلس الوزراء... مدلولهاولئن كانت نصوص الدستور يجب أن تفسر باعتبارها وحده واحدة، ولا يجوز أن يفسر نص منها بمعزل عن باقي نصوص الدستور، وكأنه هائم في فراغ، وهو ما أكدته المحكمة الدستورية العليا في مصر في حكمها بأن "تفسير نصوص الدستور يكون بالنظر إليها باعتبارها وحدة واحدة يكمل بعضها بعضاً، بحيث لا يفسر أي نص منها بمعزل عن نصوصه الأخرى، بل يجب أن يكون تفسيره متسانداً معها بفهم مدلوله بما يقيم بينها التوافق وينأى بها عن التعارض (الحكم الصادر بجلسة 19/5/1990 في الطعن رقم 37 لسنة 9 قضائية)، فإنه من باب أولى، لا يجوز أن تعزل عبارة "هيمنة مجلس الوزراء على مصالح الدولة" التي استهلت بها المادة (123) أحكامها عن باقي سياق هذه المادة التي أضافت إلى هذه الهيمنة ما تنص عليه "ويرسم السياسات العامة للحكومة ويتابع تنفيذها"، بل يجب أن يكون تفسير هذه الهيمنة متسقاً مع هذا السياق، ومتسانداً معه، بما يقيم بينهما التوافق، فتكون هذه الهيمنة على السياسات العامة التي يرسمها مجلس الوزراء.مثل سياسة التعليم أو السياسة الصحية أو سياسة التوظيف أو السياسة الخارجية، أو السياسة النفطية أو غيرها نظراً للطبيعة الفنية والمهنية والسياسية لهذه المجالات، والتي لا يجوز أن ينفرد وزير برسمها حيث ينعكس رسمها سلباً على السياسة العامة التي يرسمها وزراء آخرون في مجال تخصصهم، فينفرط عقد السياسات العامة.وحيث تنطوي عملية إعداد وإقرار السياسات العامة على الكثير من الحسابات والخيارات والبدائل، والمصالح التي تحققها، هل هي المصلحة القومية؟ أو أنها تستجيب لمصالح فئوية أو لمطالب الأقلية، أو أنها تتعارض مع العدالة الاجتماعية أو مع مبادئ دستورية أخرى أو أنها تفتقد الجدوى الاقتصادية؟وأن الخطأ في التقدير في الاختيار بين هذه البدائل والحلول المختلفة عند وضع مجلس الوزراء السياسة أو الانحراف على المصلحة العامة في رسمها يقيم المسؤولية السياسية لرئيس الحكومة، باعتبارها مسؤولية مجلس الوزراء بأكمله، والتي تقتضي إسقاط الوزارة بأكملها، من خلال استجواب يوجه لرئيس مجلس الوزراء إذا أعقبه قرار من مجلس الأمة بعدم إمكان التعاون معه.وهو خيار مطروح أمام الأمير إذا صدر مثل هذا القرار، والخيار الآخر هو حل مجلس الأمة وإجراء انتخابات جديدة، يكون محور التصويت فيها، السياسات العامة التي كانت محور الاستجواب والقرار.متابعة تنفيذ السياسة العامةفي إطار ما عهدت به المادة (123) من الدستور من صلاحيات لمجلس الوزراء، بعد رسمه السياسة العامة للحكومة، عهدت إليه كذلك بمتابعة تنفيذ هذه السياسة، مخافة أن يقرر الوزير سياسة عامة للوزارة تتعارض والسياسة العامة للحكومة، استناداً إلى المادة (130) من الدستور التي تخوله "رسم اتجاهات الوزارة ".ولئن كنت لا أجد اختلافاً في المعنى بين رسم اتجاهات الوزارة، ورسم السياسة العامة للوزارة، إلا أن الدستور كان حريصاً على هذه المغايرة اللفظية بين المادتين 123 و130، لترسيخ المعنى الذي قصده، وهو ألا تتعارض السياسة العامة التي يرسمها الوزير في وزارته مع السياسات العامة التي يرسمها مجلس الوزراء، فاستبدل بعبارة "السياسات العامة" عبارة "اتجاهات الوزارة".ومن هنا فإذا خالف الوزير في رسمه اتجاهات الوزارة أو سياساتها ما وضعه مجلس الوزراء من سياسات عامة، أو أخطأ في رسم اتجاهات الوزارة، أو انحرف فيها عن المصلحة العامة، فإنه يكون مسؤولاً سياسياً أمام مجلس الوزراء، وعليه أن يقدم تفسيراً للسياسات التي وضعها، ولرئيس مجلس الوزراء إذا لم يجد هذا التفسير كافياً أن يطلب من صاحب السمو الأمير إعفاءه من منصبه، ما لم يقدم استقالته، كما يكون الوزير مسؤولاً سياسياً كذلك أمام مجلس الأمة عن كل ذلك.الإشراف على سير العمل في الإدارات الحكوميةوفي السياق ذاته عهدت المادة (123) من الدستور إلى مجلس الوزراء مسؤولية الإشراف على سير العمل في الإدارات الحكومية، وهو ما يطرح سؤالاً حول الحدود الفاصلة بين هذا الإشراف وما تنص عليه المادة (130) من أنه "يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته" باعتبار هذه الحدود، هي أيضاً الحد الفاصل بين المساءلة السياسية لرئيس مجلس الوزراء والمساءلة السياسية للوزير المختص. وفي رأينا أن إشراف مجلس الوزراء على سير العمل في الإدارات الحكومية لا يتوغل أو يتداخل مع إشراف الوزير على شؤون وزارته، بل هو إشراف عام هدفه التنسيق بين الإدارات الحكومية المختلفة، والتوجيه العام.وترتيباً على ذلك فإنه يجب فهم مدلول المادة (123) من الدستور، بما يقيم التوافق بينها وبين النصوص الدستورية الأخرى التي يقوم عليها نظام الحكم، ومنها المواد 100 و102 و131 من الدستور التي تنص على أن مسؤولية الوزير مسؤولية فردية، وأن رئيس مجلس الوزراء لا يتولى أي وزارة، وأن كل وزير يشرف على شؤون وزارته.وللحديث عن المادة 123 من الدستور بقية إن كان في العمر بقية.
مقالات
ما قل ودل: المادة 123 من الدستور العباءة الدستورية للمساءلة السياسية لرئيـس مجلـس الوزراء
20-06-2010