يرفض الإخوان المسلمون (إخوان مصر) الاعتراف بأنهم يواجهون أزمة داخلية حقيقية هي الأولى التي تواجههم على مدى تاريخهم الطويل، والمستغرب فعلاً أنهم يتعاملون مع هذه الأزمة الطاحنة، التي باتت مكشوفة ومعروفة للشعب المصري كله، ولكل متابع في هذه المنطقة وخارجها، من خلال سياسة الاختباء وراء الاصبع، وكأنه عيب وحرام أن يختلف حزب سياسي مع نفسه وأن ينقسم على نفسه أيضاً إذا الانقسام سيصبح حلاً لمشكلة غدت تعوقه عن القيام بواجباته الوطنية.
عندما أسس حسن البنا هذا الحزب، الذي يصر مرة على أنه جماعة ومرة أخرى على أنه جمعية، كانت مصر لاتزال مَلَكيَّة وكانت لها توجهات داخلية وإقليمية ودولية تختلف عن توجهات مرحلة جمال عبدالناصر ومرحلة محمد أنور السادات والمرحلة الحالية، وهكذا وخلال أكثر من ثمانين عاماً فقد حدثت تطورات وتحولات هائلة في الشرق الأوسط كله وفي المنطقة بأسرها، أهمها على الإطلاق اتفاقيات كامب ديفيد التي أنهت الصراع المسلح مع إسرائيل، وأحلت محله الصراع بالسياسة والوسائل الدبلوماسية. ثم وخلال هذه الفترة الطويلة فإن المجتمع المصري، مثله مثل كل المجتمعات العربية والشرق أوسطية، قد تغير تغيراً جذرياً، وهو لم يعد ذلك المجتمع القديم البسيط والقروي الذي من الممكن إقناعه كبديل عن البرامج الاقتصادية والسياسية والثقافية وكل شيء بذلك الشعار الجميل القائل: "الإسلام هو الحل" الذي أحاطه "الإخوان" بهالة قدسية لمنع عباد الله الصالحين من التوقف عنده ومناقشته. إن هذه الأجيال الجديدة لم يعد من الممكن إقناعها لا بهذا الشعار ولا بكل الشعارات التي لها وقع الموسيقى التي تشنف الآذان فـ "الإسلام هو الحل" صحيح لكن على أي أساس وبأي طريقة ووفقاً لأي برنامج، فهذه التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، التي طرأت على مجتمعاتنا الريفية والقروية البسيطة خلال نحو قرن كامل، جعلت هذا الجيل، جيل القرن الواحد والعشرين والألفية الثالثة، وجيل هذه الثورة التقنية الهائلة، وجيل حملة الشهادات العليا، يرفض الجمود ويرفض أن يبقى الشعار الذي أُطلق قبل أكثر من ثمانين عاماً مقدساً ولا تجوز مناقشته. إنه أمر طبيعي أن يختلف الإخوان المسلمون سواء في مصر بلد المنشأ والانطلاقة الأولى، أو في بلدان الفروع العربية والإسلامية وفي الكرة الأرضية كلها، فعالم اليوم هو غير عالم الأمس، والمسألة هنا ليست مسألة محافظين وإصلاحيين على غرار ما هو عليه الوضع في إيران، إنما مسألة إما أن ينتهي هذا التنظيم بعد أن تصلبت شرايينه وتجمد، وبعد أن لاك شعار "الإسلام هو الحل" إلى أن غدا مستهلكاً تماماً، وإما يفتح صدره للمستجدات وأن يتجدد ويستبدل هذا الشعار ببرامج عملية قابلة للتنفيذ تقنع هذه الأجيال الصاعدة الجديدة. إن ما يجب أن يعرفه الإخوان المسلمون هو أن الحزب الشيوعي السوفياتي، الذي حكم سبعين عاماً، والذي تجاوزت أعداد المنتسبين إليه الاثني عشر مليوناً، قد انهار وانتهى هذه النهاية المأساوية، لأنه تحجر وتوقف عند لحظة تاريخية واحدة هي لحظة انطلاقه، وأن حزب المؤتمر الهندي الذي اجترح معجزة الاستقلال بقيادة المهاتما غاندي قد بقي يشكل عصب الحياة السياسية الهندية، لأنه بقي يتطور ويعطي لكل مرحلة برامجها، وهذا ينطبق على الحزب الشيوعي الصيني، وعلى كل الأحزاب التاريخية التي استمرت في التداول على السلطة في الغرب كله وفي الولايات المتحدة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
أخر كلام
عندما يصبح الانقسام ضرورة!
07-01-2010