إننا اليوم نشعر بالصدمة بعد أن ظهرت الأوراق المخبأة من تاريخ بعض الدول العربية التي أسقط العسكر ملكياتها، فهذه الملكيات كانت تتمتع بحكومات وبرلمانات منتخبة، ناهيك عن حرية الصحافة والنشاط العلني لأحزاب المعارضة.

Ad

أهم قاسم مشترك بين طرفي نهائي كأس العالم هولندا وإسبانيا أنهما كانتا جمهوريتين عسكريتين تحولتا إلى النظام الملكي الدستوري، وهذه حالة سياسية نادرة، حيث يصعب أن تتحول الجمهوريات إلى ملكيات، بل إن مثل هذا التحول في عالمنا العربي يعد ضربا من ضروب الخيال.

صحيح أن عمر الجمهورية الهولندية كان أطول من عمر الجمهورية الإسبانية، كما أنها كانت أكثر ازدهاراً وأشد قدرة على التوسع، بينما غرقت الجمهورية الإسبانية في وحل الحرب الأهلية، ولكن في الحالتين كان التحول إلى الملكية هو الخيار الذي منح الناس الحرية والرخاء، وثمة مفارقة تاريخية أخرى وهي أن الجمهورية الهولندية كانت قد استقلت أساسا عن الاتحاد الإسباني.

وفي العالم العربي تبدو فكرة الانتقال من الجمهورية إلى الملكية فكرة رجعية بسبب أوهام روج لها المثقفون العرب في منتصف القرن الماضي، والمثير حقا أن الجمهورية العربية لا تعني إطلاقا حكم الشعب، بل تعني تسليم البلاد والعباد لضباط سلاح المدرعات، وكذلك فإن الجمهورية العربية لا تعني بالضرورة التخلص من الحكم الوراثي وانتخاب الأفضل، بل تعني الخضوع التام لأي سلالة يسيطر أحد أفرادها على الجيش وأجهزة المخابرات، ورغم ذلك فإن المواطنين العرب يفضلون العيش في جمهوريات الرعب على عودة ملكياتهم الدستورية لأنهم يعتقدون أن بقاء النظام الجمهوري يحفظ لهم تقدميتهم الوهمية، ولا أعلم كيف يكون الإنسان تقدميا وهو يتمسك بنظام معاد للحرية؟

على الورق يبدو نظام الحكم الشيوعي في كوريا الشمالية تقدميا جدا، بينما يبدو نظام الحكم الإمبراطوري في اليابان رجعيا إلى أقصى الحدود، ولكن ما قيمة الورق مادام الناس في كوريا الشمالية يعيشون الرعب والمجاعة في ظل نظام بوليسي لا يعرف الرحمة، بينما يتمتع الناس في اليابان بالحرية والرخاء المالي؟ وكيف نصدق أن الشعب يملك كل شيء في كوريا الشمالية ما دام يشعر بالرعب من مجرد ذكر اسم الرئيس، وأن الإمبراطور هو الذي يملك كل شيء في اليابان ما دام من حق أي ياباني أن يسخر علنا من تصرفاته؟ فالعناوين والشعارات الموجودة على الورق ليس لها أي قيمة أو معنى مادامت تتناقض مع الواقع الذي يعيشه الناس.

وحين سقط نظام صدام حسين ظهرت دعوات لعودة الملكية إلى العراق، وللأسف الشديد فإن مثل هذه الدعوات قوبلت بالاستخفاف والاستهزاء رغم أن واقع العراق اليوم يقول إن عودة النظام الملكي الدستوري أمر كان من شأنه احتواء الصراع الطائفي، وضبط التجافي القومي، وتحقيق الفيدرالية المطلوبة دون تهديد لوحدة البلاد، وكذلك الأمر بالنسبة لأفغانستان بعد سقوط طالبان، فربما لو عادت الملكية الدستورية لاستطاعت أن تتعايش مع التعقيدات القبلية في ذلك البلد الذي أصبحت أحواله اليوم أسوأ مما كانت عليه أيام طالبان.

بل إننا اليوم نشعر بالصدمة بعد أن ظهرت الأوراق المخبأة من تاريخ بعض الدول العربية التي أسقط العسكر ملكياتها، فهذه الملكيات كانت تتمتع بحكومات وبرلمانات منتخبة، ناهيك عن حرية الصحافة والنشاط العلني لأحزاب المعارضة، أما العسكر الذين أسقطوا هذه الملكيات بذريعة أن ملوكها كانوا دمى بيد الاستعمار فقد كشفت الوثائق التي أفرج عنها أن الانقلابات العسكرية التي قاموا بها كانت مدبرة من قبل القوى الاستعمارية التي وجدت أن تلك الأنظمة الملكية الدستورية كانت تهدد مصالحها.

في هذا المساء سوف يتفرج الشباب العرب على نهائي المونديال، وكل واحد منهم يحاول أن يجمع مبلغا ماليا يمنحه لمافيا تهريب البشر كي يغادر جمهوريته التقدمية، ثم يقفز في المياه الدولية كي يكمل المشوار سباحة باتجاه شواطئ الملكيات الدستورية الرجعية... ويا له من توقيت مناسب كي يتسلل التقدميون إلى أراضي الرجعيين، بينما هؤلاء مشغولون بمحاولة الوصول إلى قمة العالم.

* كاتب سعودي

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة