الامومة والبقاء

نشر في 09-05-2010
آخر تحديث 09-05-2010 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن العديد من البلدان في أنحاء العالم المختلفة تحتفل في هذه الأيام بيوم الأم، وفي هذه المناسبة يعطي الأطفال من كل الأعمار الزهور لأمهاتهم، ويعدون وجبة الإفطار، أو يتصلون بالبيت.

وهذا هو ما ينبغي أن يكون... فمن خلال رحلاتي إلى أنحاء العالم المتفرقة، خصوصاً إلى أشد البلدان فقراً وأكثرها اضطراباً، تعلمت أن الأمهات هن اللاتي يحافظن على تماسك الأسرة، بل يحافظن على سلامة المجتمع بالكامل، وإن الأمهات هن اللاتي ينسجن المجتمع، وهن القادرات على تحويل العالم، ورغم ذلك فإن العالم كثيراً ما يخذل الأمهات.

إن تحول المرأة إلى أمٍ- أو طقس العبور الذي يحتفل به يوم الأم- من الممكن أن يشكل عبئاً رهيباً من الخوف والقلق والخسارة بالنسبة للعديد من النساء وأسرهن، وهناك نساء مثل ليونورا بوكاتيرازاس، 21 عاماً، التي توفيت أثناء وضع طفلها منذ فترة ليست بالبعيدة في قرية كولومبابا جراندي الجبلية في بوليفيا، يرحلن عن عالمنا ويتركن لأزواجهن تنشئة الأطفال بمفردهم. أو سارة أوميجا، 20 عاماً، التي أمضت 18 ساعة في المخاض في مستشفى بكينيا، ولقد مات وليدها، ولكنها نجت من الموت على الرغم من الإصابات المروعة، وهي الآن عازمة على التحدث إلى العالم حتى لا يضطر غيرها إلى المرور بالمحنة نفسها، وفي حديث مع المشرعين الأميركيين في عام 2008 قالت: «لقد فقدت الحياة معناها»، ولقد ساعدت بشهادتها في إقناع الكونغرس الأميركي بالتعهد بتخصيص المزيد من مساعدات التنمية لرعاية صحة الأمهات. هاتان مجرد قصتين من العديد من القصص الشخصية وراء الإحصاءات المروعة التي وردت في تقرير صندوق السكان التابع للأمم المتحدة، وتوضح الأرقام الفجوة الهائلة القائمة بين البلدان الغنية والفقيرة فيما يتصل برعاية الأمومة، وهي الهوة التي عقدت الأمم المتحدة العزم على إقامة الجسور عبرها.

ففي العالم الغني حين تموت أم أثناء وضع طفلها، نفترض أن ما حدث كان نتيجة لخطأ ما، أما بالنسبة للنساء في العالم النامي فإن الأمر على النقيض من ذلك، حيث الوفاة نتيجة للوضع تشكل ببساطة إحدى حقائق الحياة، وفي بعض البلدان، تموت امرأة من بين كل ثمانٍ أثناء الوضع، وتشكل المضاعفات المصاحبة للحمل والوضع السبب الرئيس للوفيات بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاماً على مستوى العالم. وفي البلدان الفقيرة يتعين على النساء الحوامل أن يعلن أنفسهن؛ فهن لا يتمتعن بأي رعاية صحية وليس لديهن مكان يلجأن إليه، وقد يناضلن من أجل الحصول على التغذية السليمة ويعملن لساعات طويلة في المصانع والحقول إلى أن يحين موعد المخاض، وهن يلدن في بيوتهن، وربما بمساعدة قابلة لم تحصل في الأرجح على تدريب طبي.

وأنا شخصياً وُلدت في البيت، في قرية صغيرة في الريف الكوري، ومن بين ذكريات طفولتي أنني كنت أسأل أمي عن عادة غريبة؛ فالنساء اللاتي كن على وشك وضع حملهن كن يحدقن لفترات طويلة في أحذيتهن المطاطية البسيطة، والتي كانت تترك عند الباب الخلفي.

وأوضحت لي أمي أنهن يتساءلن عما إذا كن قد يضعن أقدامهن في هذه الأحذية مرة أخر، فإن عملية الوضع كانت محفوفة بالمخاطر إلى حد أنهن كن يخشين على حياتهن، وفي الولايات المتحدة، قبل مئة عام فقط، كانت احتمالات وفاة الأمهات أثناء الوضع أعلى بمئة ضعف مقارنة بما هي عليه اليوم. والواقع أننا نعرف كيف ننقذ حياة الأمهات، فاختبارات الدم البسيطة، واستشارة الطبيب، وتوافر الشخص المؤهل لمساعدة الأم أثناء الوضع، كل ذلك من الممكن أن يحدث فرقاً كبيراً، وإذا أضفنا بعض المضادات الحيوية الأساسية، وعمليات نقل الدم، وغرفة العمليات الآمنة، فسوف يكون بوسعنا استئصال خطر الموت بالكامل تقريباً.

وتشير الأرقام الأخيرة إلى أننا نحرز بعض التقدم في مساعدة النساء في أنحاء العالم المختلفة، ورغم ذلك فإن الطريق أمامنا مازالت طويلة، ففي كل عام يموت مئات الآلاف من الأمهات أثناء الوضع، و99% من هذه الوفيات تحدث في البلدان النامية. لهذا السبب، وبوصفي الأمين العام للأمم المتحدة، فلم أفوّت أي فرصة للحديث عن احتياجات الأمهات والنساء الحوامل، وفي الشهر الماضي، أطلقت الأمم المتحدة خطة عمل مشتركة تقوم الحكومات والشركات والمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني بمقتضاها بدعم هذه القضية الحيوية... وأنا أثق في حرص الشعوب في شتى أنحاء العالم على دعمنا في إنهاء هذه الفضيحة الصامتة.

لا ينبغي لأي امرأة أن تدفع حياتها ثمناً لمنح غيرها الحياة، وفي يوم الأم، يتعين علينا أن نكرم الأمهات في أنحاء العالم جميعاً بالتعهد ببذل كل ما في وسعنا لجعل الأمومة تجربة أكثر أماناً لكل نساء العالم.

* بان كي مون | Ban Ki-moon ، أمين عام الأمم المتحدة منذ 1 يناير 2007 ووزير خارجية كوريا الجنوبية سابق.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top