أمس، الثلاثاء، بدأ تطبيق قرار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك ترحيل الآلاف من أبناء قطاع غزة الذين وُصفوا بأنهم "متسللون" إلى الضفة الغربية، والملاحظ أنه قد مرَّ هذا اليوم دون أن تتم أي عمليات إبعاد أو تسفير، لا جماعية ولا فردية، ويبدو أن السبب هو الخوف من ضجة عالمية توسِّع نطاق الرفض والإدانة لسياسات هذه الحكومة الإسرائيلية، التي لاشك في أنها تعيش عزلة خانقة تشارك فيها حتى الدول التي تعتبر صديقاً وفياً لإسرائيل.

Ad

لكن مرور اليوم الأول بدون حملات تطهير عرقي في الضفة الغربية، وبدون حملات تسفير وإبعاد، لا يعني أن هذا لن يحدث في الأيام القريبة والبعيدة المقبلة، فهذا القرار قد اتُخذ بالتأكيد بعد دراسات متأنية، وهدفه كما هو واضح هو تكريس واقع الحال، حيث هناك دولة فلسطينية في رام الله، وهناك دولة أخرى في غزة، وهذا ما أراده الإسرائيليون منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما غضوا النظر عن تحول تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين إلى حركة مسلحة هي "حماس" التي انطلقت في عام 1987 لتكون مناوئة لمنظمة التحرير، ولتطرح نفسها كشريك في مسألة "الممثل الشرعي والوحيد"، وفقاً لقرار قمة الرباط العربية الشهيرة في عام 1974.

 ولهذا وبما أن حتى أعمى البصر والبصيرة يعرف ويدرك أن هدف هذا القرار الإسرائيلي هو تكريس هذا الانقسام الفلسطيني، الذي شكَّل ويشكِّل إحدى الذرائع لتهرب إسرائيل من عملية السلام، فإن أدنى الالتزام الوطني، سواء بالنسبة إلى حركة فتح أو حركة حماس، يقتضي التعالي فوق الخلافات وفوق الالتزامات التنظيمية الضيقة، وأيضاً فوق الانحيازات الإقليمية المعروفة، والمبادرة فوراً إلى التلاقي على أرضية ورقة المصالحة المصرية، خاصة وقد بات في حكم المؤكد أن هناك حسابات ليس لها أي علاقة لا بفلسطين ولا بالقضية الفلسطينية هي التي تحول دون توقيعها.

 إن كل الحجج السابقة، التي تذرعت بها الجهة التي ترفض توقيع الورقة المصرية، قد أسقطها هذا القرار الإسرائيلي، حتى وإن لم يُنفذ، والمفترض أن أصحاب مشروع إقامة دولة غزة مقابل دولة الضفة الغربية قد أدركوا الآن، إذا كانوا لم يدركوا هذا من قبل، أن هذه المعادلة البائسة لا تخدم إلا إسرائيل، وأن بنيامين نتنياهو قد استعان بها، ولا يزال، للتهرب من عملية السلام واستحقاقاتها ومواجهة الضغط الذي يمارسه العالم عليه، بالقول إنه لا يعرف مع أي طرفٍ فلسطيني يتعامل ويتفاوض طالما أن هناك دولتين وقيادتين كل واحدة منهما تدعي أنها الأحق بتمثيل الفلسطينيين، وأنها الأولى بالتحدث نيابة عنهم.

 الآن تقف القضية الفلسطينية في عنق الزجاجة، وهي تمر بأصعب مراحلها، ولذلك فإن المؤكد أن الله عز وجل لن يغفر للطرف الذي يتمسك بهذا الانقسام الشائن، ويعض عليه بالنواجذ، وأن التاريخ لن يرحمه، وأن الشعب الفلسطيني، الذي قاسى ما لم يقاسه أي شعب آخر، سيحاسبه حساباً عسيراً ذات يوم قريب، ولهذا فإن هذه اللحظة هي لحظة الحقيقة، ولهذا فإنه لابد من القول للانقساميين إنه عليهم أن يتقوا ربهم في شعبهم وقضيتهم، وأن يغلّبوا مصالح هذا الشعب المجاهد والمناضل على الحسابات التنظيمية والولاءات الإقليمية... واللهم اشهد... اللهم اشهد!