مازلت أتذكر كيف قوبل إعلان باكستان في مايو 1998 أنها أجرت تجربة ناجحة للقنبلة الذرية بترحيب عارم في العالمين العربي والإسلامي، وتم توزيع الحلوى في الشوارع، على اعتبار أن القنبلة النووية الباكستانية لا تخص باكستان وحدها، بل هي مصدر قوة للعالم الإسلامي ككل، وأطلق البعض عليها في ذلك الوقت صفة «القنبلة النووية الإسلامية». ردة الفعل الغربية المنددة لامتلاك باكستان قنبلة نووية لم تكن قوية، إنما كانت أقرب إلى رفع العتب، وفي مقابل هذا المشهد الخاص بالبرنامج النووي الباكستاني أحاول أن أجد تفسيراً للانتقادات والهجوم الشرس الذي يوجه إلى إيران بسبب برنامجها النووي. إذا كان مفهوما ومتوقعاً موقف أميركا وبقية الدول الأوروبية المعادية لإيران، وهو موقف معارض لوجود أي قدرات علمية خصوصا النووية يمكن أن تشكل تهديداً ولو مستقبلياً على «الطفلة المدللة إسرائيل»، إذا كان هذا مفهوماً من قبل الدول الغربية فإنه ربما يستعصي على الفهم معارضة بعض العرب خصوصاً في دول الخليج للبرنامج النووي الإيراني، واعتبار أن ذلك يشكل خطراً على الدول العربية بشكل عام وعلى دول الخليج بشكل خاص.

Ad

أتذكر أنه قبل سنتين شارك الزميل سامي النصف في برنامج حواري على شاشة إحدى القنوات الفضائية، وكان موضوع الحوار البرنامج النووي الإيراني، وقد أثار الزميل النصف جملة شكوك حول مغزى البرنامج النووي الإيراني، وكان من بين الشكوك التي أثارها حول أهداف البرنامج أن قول إيران بأن البرنامج النووي هو لتوفير الطاقة أمر غير مقنع، لأن إيران- حسب قول الزميل النصف- دولة نفطية، وهي بالتالي ليست بحاجة إلى توليد الكهرباء بواسطة المفاعلات النووية. ولكن بعد فترة من هذه المقابلة أعلنت دول عربية عدة ومنها الكويت والسعودية– وهي دول نفطية أيضاً- عزمها البدء ببرنامج للطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، وبذلك سقط هذا التشكيك ولم يعد أحد يردده.

أنا أفهم أن تتوعد أميركا وتهدد إيران بالعقوبات الاقتصادية، بل حتى بالعمل العسكري وتحذر العالم من خطر امتلاك إيران السلاح النووي، وكل ذلك بسبب العداء بينها وبين إيران وحماية لإسرائيل، ولكن لماذا يردد بعض سياسيينا وكتابنا الادعاءات الأميركية ضد إيران مع أن لدول الخليج بشكل عام والكويت بشكل خاص علاقات طيبة مع إيران، فانسياق البعض وراء الدعاية الأميركية يذكرنا ببيت الشعر الذي يقول:

المستشار هو الذي شرب الطلا

فعلام يا هذا الوزير تعربد؟

أعتقد أن سبب الهجوم الذي تتعرض له إيران في الإعلام العربي يعود إلى سببين: الأول هو التأثر بدعاية «أنكل سام»، وتصديق أن البرنامج النووي الإيراني يمكن أن يشكل تهديداً عسكرياً لدول الخليج، وهدف هذه الدعاية هو خلق فزاعة اسمها «فوبيا إيران». أما السبب الثاني فيعود إلى موقف إيديولوجي مسبق من البعض ضد إيران، وجاء البرنامج النووي ليكون ذريعة لتأكيد هذا الموقف، على قاعدة «مكروهة وجابت بنت»، وهذا واضح من خلال وصف البعض إيران بالفارسية والمجوسية في معرض تناول البرنامج النووي.

 هناك بعض الكتاب ممن يعلنون صراحة أمنيتهم في أن تتعرض إيران لضربة عسكرية على يد أميركا أو إسرائيل، ولا غرابة في ذلك إذا كانت أسماء هؤلاء في قائمة الشرف في موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، في مقابل اللوثة العقلية التي يعانيها البعض والموقف الإيديولوجي المسبق الذي يعتمر في صدور البعض الآخر نجد أن تصريحات المسؤولين الكويتيين تتسم بالعقلانية، وآخرها تصريح رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي برفض استخدام الكويت للاعتداء على إيران.

أعلم أن قائمة الاتهام بالانحياز إلى إيران جاهزة من قبل البعض، وهذا ليس مهماً، لأننا لا نخاطب هؤلاء، بل نخاطب من يفكر باستقلالية وعقلانية بعيداً عن الحساسيات الطائفية والمواقف المسبقة.