لأنّ البيت الإيراني يضج بصراخ الزوجة التي تطلب الطلاق والعودة إلى منزل أهلها، ويهتز لبكاء الأطفال الجوعى رغم ثراء أبيهم، فقد أطل الأب المعمم من البلكونة يشتم المارة ويحذفهم بالطوب، ليرفع حينئذٍ شعار السفاحين "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

Ad

يوم أمس، هددت العمائم الإيرانية إسرائيل، وإسرائيل رحمة للطغاة المسلمين، ومجرد ذكر اسمها سيجعل البسطاء والدهماء يرمون الخبز اليابس من أيديهم ويهرولون نحو الخندق خلف القيادات الحاكمة. والحكم في إيران يعتمد على البسطاء هؤلاء، فنسبة الأمية المعرفية في إيران هائلة، والتقارير تقول إن قرويي إيران يجهلون الكثير مما يدور على كوكب الأرض، بل وداخل إيران أيضا، خارج حدود القرية، وتنحصر مداركهم في أمورهم الدينية، و"الدينية" هنا تعني اجترار أحداث "معركة الجمل" بعد التزوير، وشتم الدولة الأموية، والتبارك ببصقة أقرب معمم حول القرية.

وإذا كانت القرى الفقيرة هي قاعدة ثورة العمائم، وهي منبع الحماسة والتطوع والبذل، تقرباً إلى الله طبعاً، فإن الحماسة للثورة تقل بين المثقفين، وتفتر إلى أن تتحول إلى عداء وبغض في أوساط "أتباع الشياطين"، من شباب الإنترنت، ذوي الاطلاع على مجريات الحياة على هذا الكوكب، الذين لا يمكن شغلهم بحكاية عمر بن الخطاب وسقيفة بني ساعدة وعبدالملك بن مروان وما شابه، لا يا سيدي، دع عنك هؤلاء وتعال قل لي، لماذا لم تعبّد الطرق؟ لماذا لم تبن المستشفيات لي ولأهلي؟ وأين ذهبت مليارات نفطي أيها المعمم الفاضل؟ ثم لماذا دفعت أتباعك الهمج إلى السيطرة على الجامعة وحولتموها من منبع علوم وتكنولوجيا وفنون إلى منبع للجهل والشعوذة والخرافات؟ ولماذا تسيطر أنت وأصحابك المعممون على كل شيء في البلد وتقصون المتخصصين؟ يا أخي إذا كانت لديك مشكلة مع عبدالملك بن مروان فارفع عليه دعوى قضائية وخلصني، يعني ليس معقولاً أن تشتمه مدة 30 سنة على حساب ثلاجة بيتي.

لكنك علماني فاسق إذا اعترضت على إضاعة الوقت في شتائم عبدالملك بن مروان وأبنائه، أو أنكرت أن العمائم يعالجون البشر من دون أن يدرسوا في كليات الطب، فقط بالمسح والبصق، لأنهم مباركون، ولأن أصابعهم "تنلف في الحديد". ثم كيف تتدخل في الدين وأنت من غير ذوي الاختصاص؟ ألا تعلم بأن من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب؟ يا عميل أميركا يا خائن آل البيت... يا سيدي المعمم أنتم أجبرتموني على الحديث عن الدين، أنتم أنزلتم الدين إلى وحل السياسة وحولتموه إلى خرافات، وبحجة الدين سيطرتم علي وعلى أبنائي ورسمتم لنا طريقاً إجبارياً للعبور، وأنا هنا أحاول أن أرفع أسفل دشداشة الدين وأغسل أطرافها من الطين العالق بها، لكن ليس قبل أن أحصل على دواء لوالدتي بخلاف بصقاتكم الطاهرة.

وعوداً على بدء، المارة الآن يتفادون المرور في الشارع الإيراني كي لا يصيبهم طوب المعمم المطل من البلكونة، سعياً إلى صرف انتباه أسرته عن خلو الثلاجة من الجبنة. والمعمم اليوم يشتم إسرائيل، وغداً سيوسع دائرة الشتائم لتشمل كوستاريكا الخبيثة، وبورما الملعونة، وسيصرف أمواله على ملذاته هو وأصدقاء السمر المعممين، وعلى السلاح وعمولاته، ويسد أذنه عن مطالبات زوجته بفستان ترتديه في فرح شقيقتها.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء