لاستكمال شكل ومضمون المبادرة التي من المنتظر أن يعلنها الرئيس أوباما في فترة يُعتقد أنها غدت قريبة جداً، فإن هناك معركة حقيقية تحتدم بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ميدانها حيث يتنقل المبعوث الأميركي جورج ميتشل إنْ في بلده وإن في أوروبا، هذا بالإضافة إلى رحلات الحجيج المتلاحقة التي يواصل كبار المسؤولين الإسرائيليين القيام بها إلى واشنطن.

Ad

والواضح أن هناك إصراراً أميركياً، لايزال ثابتاً ولم يتزحزح، على ضرورة وقف الاستيطان بكل أشكاله، وعلى أن تكون الدولة الفلسطينية المنشودة حقيقية وبحدود الرابع من يونيو عام 1967، مع نسبة لـ"التبادل" تتراوح بين أربعة وستة في المئة من مساحة الضفة الغربية، والواضح أيضاً أن بنيامين نتنياهو يشعر باختناق شديد، وقد غدت خياراته محدودة وصعبة.

لم يعد أمام بنيامين نتنياهو إلا أن يستبدل حكومته الحالية ويتخلص مـن "شاس" وأفيغدور ليبرمان، ويعتمد تحالفاً حكوميّاً جديداً يضم بالإضافة إلى حزب "الليكود" وحزب "العمل" بقيادة إيهود باراك حزب "كاديما"، ويذهب إلى عملية السلام من أبواب التصورات الأميركية العريضة، أو أن يذهب إلى مزبلة التاريخ ليزورها مرة أخرى، كما زارها في عام 1999 عندما سبح ضد التيار وتمسك بأفكاره التي عفى عليها الزمن، وغدت بضاعة لا تصلح إلَّا لتأوّهات الذين يذهبون إلى حائط المَبْكى ليضربوا رؤوسهم به ويتواجدوا على ماضٍ بعيد لم تتحدث عنه إلَّا الأساطير الخيالية القديمة.

حتى ألاعيب شمعون بيريز، التي تشبه ألاعيب السَّحرة والحُواة، والتي آخرها دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى لقاءٍ في جدة أو في القدس، فإنها لن تفيد بنيامين نتنياهو ولن تجنبه استحقاق تغيير حكومته هذه بحكومة جديدة تتمتع بلياقة التعاطي الجدي مع عملية السلام، أو الذهاب إلى مزبلة التاريخ في زيارة ستكون حتماً هذه المرة بمنزلة إقامة أبدية وإلى يوم القيامة.

ربما كان بنيامين نتنياهو وهو يحاول التَّملص من دفع استحقاق عملية السلام وفقاً لتصورات هذه الإدارة الأميركية، يراهن على إفشال حركة "حماس" كل الجهود المصرية لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويراهن أيضاً على صيغ الهدنة الطويلة التي كان طرحها المستشار السياسي لإسماعيل هنية د. أحمد يوسف في وثيقته الشهيرة المعروفة، ثم أعاد طرحها تباعاً في الفترة الأخيرة كل من رئيس المجلس التشريعي عبدالعزيز الدويك بعد خروجه من السجن وغازي حمد في مقال صحافي.

قد تكون هناك اتصالات خفية على هذا الصعيد الآنف الذكر على مستويات غير معروفة بين "حماس" وإسرائيل هي التي يراهن عليها بنيامين نتنياهو وهو يتملص من عملية السلام وفقاً للتصورات الأميركية، وقد يكون ما قاله الشيخ الدويك من أنه نصح الإسرائيليين بالموافقة على اقتراح "الهدنة" كخطوة انتقالية نحو المصالحة التاريخية، هو الدليل على مثل هذه الاتصالات، لكن كل هذا لن يجدي ولن يفيد، فالأميركيون ومعهم العالم كله يطالبون حركة المقاومة الإسلامية بما تقول إنه تجاوز لثوابتها العقائدية، وهم يصرون على أن الحل المنشود يجب أن يكون على الطرف الفلسطيني من خلال منظمة التحرير وعلى أساس كل ما التزمت به منذ قبولها القرار الدولي رقم 242 مروراً باتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق وتفاهمات أنابوليس ومبادرة السلام العربية، وانتهاءً بما قاله الرئيس أوباما من فوق منبر جامعة القاهرة قبل فترة.

كاتب وسياسي أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء