يُثار جدل من حين إلى آخر بشأن وجود نظرية نقدية عربية للأدب، في الوقت الذي يستمد فيه النقاد العرب مرجعياتهم البلاغية والتنظيرية من النتاج الفكري الغربي. قد يجد هؤلاء النقاد ما يستندون إليه أو يواسون به أنفسهم من البلاغة العربية، يظهر ذلك جلياً من استشهادهم المبالغ فيه بكتابي «دلائل الإعجاز» و»أسرار البلاغة» لعبدالقاهر الجرجاني، وكذلك بعض مقولات ابن طبابا، أو حتى الفارابي وابن رشد. يصعب علينا أن نقرأ الأدب انطلاقاً من البُعد القومي، أو أن نجعله في إطار إقليمي ضيق، لأن المشاعر الإنسانية، والوجدان الذي ينطلق منه الحس التفاعلي يكاد يكون واحداً لدى الشعوب جميعها، وإن اختلفت المرجعيات الثقافية والعقائدية. تسجل الرواية خير مثال على ذلك، وهي الفن الأدبي الذي يحظى بالاهتمام الأكبر من النقاد.
يرى فيصل دراج انه لا ضرورة لإيجاد نظرية نقدية عربية، داعياً إلى «اشتقاق معنى الرواية العربية من تاريخها الثقافي الخاص بها، ومن ثم ربط تحولات الرواية العربية بالتحولات الاجتماعية العربية، بهذا المعنى لا يمكن قراءة الرواية العربية بمعزل عن جملة العلاقات الاجتماعية العربية مما يساعد على إيجاد آلية للقراءة تمنح الرواية العربية خصوصيتها».يرتبط جدل «النظرية النقدية العربية» بمسائل أخرى قد تبدو أكثر تعقيداً، مثل الترجمة، وإشكالية المصطلح، وكذلك تطور الإبداع وسرعة تحوله، وامتزاج النظرية النقدية الحديثة بمدارس واتجاهات أخرى مثل الفلسفة، وعلم الاجتماع.كل هذه الأمور تجعل من مهمة النقاد الساعين إلى تأطير جهودهم ورؤاهم الفكرية بحدود جغرافية أو لغة قومية ما أمراً صعباً للغاية.يبحث بعض النقاد عن هوية النص أو «فاعليته الخلاقة» كما يسميها الناقد السوداني الشيخ محمد الشيخ، الذي يؤكد أن مأزق نظرية الأدب يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمأزق بنية الثقافة الغربية. حيث ظلت هذه البنية منذ عهد ديكارت وحتى يومنا هذا تدور في حلقة مغلقة قرنا بعد قرن، تعيد إنتاج الأسئلة ذاتها. هذه النظرة تتكرر لدى نقاد آخرين لهم باع في تطوير النظرية النقدية العربية، مثل يمنى العيد، حميد لحمداني، شكري عياد، عبدالله الغذامي، محمد مفتاح، سعد البازعي، وآخرين. كل هؤلاء يبذل جهوده الخاصة في مقاربة النصوص والروايات العربية، انطلاقاً من البيئة العربية الخاصة، واستناداً إلى نظريات في مجملها ذات مرجعية نقدية غربية. الأمر الذي يوقعنا في الحيرة والارتباك ما بين النص والتطبيق، وهو الأمر ذاته الذي يجعل بعض النقاد يصرون على إعادة قراءة عبدالقاهر الجرجاني واستكشاف مقولاته انطلاقاً من روح عصرية.أما الناقد عبدالعزيز حمودة فهو صاحب الجهد الأكبر في هذا المجال، وإن يكن أثار ضجة حين أصدر كتابه «المرايا المحدبة» الذي اعتبره بعضهم يحمل لغة عدائية نحو نقاد الحداثة. عاد حمودة مرة أخرى وأصدر كتابه «المرايا المحدبة» وهو الكتاب الذي بذل فيه جهوداً كبيرة لاستكناه نظرية نقدية عربية معاصرة بالعودة إلى مقولات القدماء، بل ويذهب حمودة أبعد من ذلك حين زعم أن كل النظريات النقدية الغربية الحديثة الكبرى مثل البنيوية والتفكيكية لها أصول في الثقافة العربية، واستفاد منها كذلك النقاد الغربيون.الأمر ذاته فعله الناقد د. مصطفى ناصف حين أصدر كتابه «النقد العربي نحو نظرية ثانية» إذ استند أكثر شيء على عبدالقاهر الجرجاني، وجعله مرجعه الأساسي في إثبات مقولاته، في ما يتعلق باستخلاص نظرية نقدية ذات جذور عربية خالصة.توفي الجرجاني عام 471 هـ، ولم يلفت انتباه النقاد العرب إلا بعد أن رشحت إلى الوجود النظريات النقدية الغربية الحديثة. أين نحن من فكر الجرجاني قبل ذلك؟
توابل
الجرجاني ونظرية النقد العربية
14-06-2009