تزايد الطلب على شبكة تهريب التكنولوجيا النووية
تتصل حكومات عدة بالعلماء والمهندسين والممولين، الذين كانوا متورطين في شبكة عبدالقدير خان لتهريب التكنولوجيا النووية، وتحاول حض هؤلاء الخبراء على العدول عن تقاعدهم.يثير هذا التطور الجديد مخاوف وكالات الاستخبارات الأميركية من إعادة إحياء شبكة نشر التكنولوجيا النووية هذه، التي ظنوا أنها فُككت منذ سنوات.
يذكر مسؤولان من وكالات الاستخبارات الأميركية ومسؤولان آخران مطلعان على التقارير الاستخباراتية أن المعلومات التي جُمعت خلال الأشهر السبعة الماضية تُظهر أن عملاء من حكومات أجنبية عدة (بما فيها البرازيل وبورما وإيران ونيجيريا وكوريا الشمالية والسودان وسورية) يلاحقون أعضاء الشبكة التي حملت اسم عبدالقدير خان، عالِم يُعتبر أباً للبرنامج العسكري النووي الباكستاني.يوضح مسؤول استخباراتي أميركي بارز: "قدّموا لهم العروض ليقنعوهم بالرجوع عن تقاعدهم"، لكن هذا المسؤول يشدد على أن هذه الاتصالات، التي رُصدت خلال الأشهر الأخيرة، لا تعكس بالضرورة قراراً رسمياً اتخذته دول مثل البرازيل ونيجيريا بشأن انتشار الأسلحة النووية، ويضيف قائلاً: "قد يكون هؤلاء أناسا يتصرفون من تلقاء نفسهم".غير أن مسؤولاً استخباراتياً آخر حذّر من أن البعض في المجتمع الاستخباراتي يرفض هذا التقييم عما إذا كانت الحكومات قد اتصلت ببقايا شبكة خان.أمّنت شبكة عبدالقدير خان "العناصر الأساسية" لتخصيب اليورانيوم، بالاستناد إلى عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي، إلى إيران وليبيا وكوريا الشمالية بدءاً من ثمانينيات القرن الماضي حتى تفكيكها في عامَي 2003 و2004، وأكّد خان الكثير من هذه التهم خلال المقابلات التي أُجريت معه.في مطلع هذا الشهر، وُزِّع تحليل سري عبرDefense Intelligence Daily (مجموعة من المنتجات الاستخباراتية يتشاطرها كبار المسؤولين في الجيش ووزارة الدفاع الأميركية) تناول أدلة تشير إلى أن شبكة خان يُعاد تنشيطها على الأرجح، إلا أن هذه الأدلة لم تكن حاسمة، لكن التقرير أكّد وجود معلومات جديدة عن جهود التجنيد هذه.فُكك الجزء الأكبر من شبكة خان بعدما أوقفت الولايات المتحدة في أكتوبر عام 2003 سفينة شحن ألمانية تُدعى BBC China كانت تحمل قطعاً لنحو ألف جهاز طرد مركزي مرسلة إلى ليبيا.ويُعتبر اعتراض هذه السفينة والغزو الأميركي للعراق من أهم الأسباب التي دفعت بالزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي، إلى التخلي عن برنامجه النووي الذي أمدته شبكة خان بالمواد المطلوبة.نتيجة لذلك، سلّم المسؤولون الليبيون إلى الولايات المتحدة وبريطانيا كماً كبيراً من الوثائق عن شبكة ترتبط بخان وتضم شركات صورية وممولين وتجاراً ومعامل لصنع قطع الآلات. كانت عناصر هذه الشبكة موزعة حول العالم، من دبي إلى ماليزيا وعدد من العواصم الأوروبية. فأُوقف نشاط هذه العناصر ووُضع خان تحت الإقامة الجبرية، ولكن أطلق سراحه السنة الماضية.غير أن نحو 50 إلى 100 شخص كانوا متورطين مع هذه الشبكة تُركوا وشأنهم ولم يُلاحقوا قضائياً، وعوضاً عن ذلك، أدرج المجتمع الاستخباراتي الأميركي أسماءهم في عدد من لوائح المراقبة، كذلك وُضع الأخطر بينهم تحت مراقبة بشرية أو إلكترونية.وتشكّل شبكة الخبراء المتقاعدين هؤلاء، الذين عملوا مع خان، مصدر قلق للمسؤولين في المجتمع الاستخباراتي من إعادة تنشيط حلقة نشر الأسلحة النووية تلك، ويذكر أحد كبار المسؤولين الاستخباراتيين أن البلدان، التي تحاول استمالة شركاء خان، "أعربت كلها عن [اهتمام كبير] باستخدام أشخاص كانوا سابقاً على علاقة بشبكة عبد القدير خان". تشمل الشبكة جنسيات من مختلف أنحاء العالم، لكن المخاوف الأكبر ارتبطت بأفرادها من أوروبا الشرقية.ذُكرت هذه المسألة بشكل موجز خلال إحدى جلسات الاستماع في مجلس النواب الأميركي في 22 يوليو، ففي هذه الجلسة، سأل النائب ديفيد سكوت (ممثل جورجيا الديمقراطي) فان فان ديابن، مساعد وزيرة الخارجية بالنيابة لشؤون الأمن الدولي ومنع انتشار الأسلحة النووية، عما إذا كانت بقايا شبكة خان ناشطة، فرفض فان ديابن، الذي أكّد سابقاً أن شبكة خان تفككت بالكامل، التعليق على هذا السؤال وأصرّ على ضرورة مناقشة هذه المسألة في جلسة مغلقة.وعندما سألت صحيفة "واشنطن تايمز" المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، جورج ليتل، عن هذه المعلومات الجديدة، أجاب: "شكّل تفكيك شبكة عبدالقدير خان لنشر الأسلحة النووية نجاحاً استخباراتياً حقيقياً". لكن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية رفض التعليق على هذه المسألة.يوضح أحد كبار المسؤولين الاستخباراتيين الأميركيين أن بعض أعضاء شبكة خان نجوا من الملاحقة القضائية بسبب الخوف من أن يختفوا عن الأنظار، وفي حالات أخرى، لم تشكل نشاطات التهريب التي مارسوها انتهاكاً للقانون في البلدان التي كانوا يعملون فيها، على سبيل المثال، لم تتبنَّ الإمارات العربية المتحدة وماليزيا- محوران مهمان في شبكة خان- قوانين تضبط التصدير إلا في السنتين الأخيرتين.ويذكر جون ر. بولتون، الذي كان مساعد وزيرة الخارجية لشؤون ضبط الأسلحة والأمن الدولي حين بدأت الولايات المتحدة تعمل على تفكيك شبكة خان، أن الحكومات واجهت خيارات صعبة بشأن ملاحقة المشتبه فيهم.قال بولتون في مقابلة معه: "ما إن تفضح أمر شبكة ما حتى يحاول كل المتورطين فيها الاختباء، ويشكّل هذا جزءاً من قرار الكشف عنها علانية ومن تحليل الربح والخسارة"، وأضاف: "تنطبق الحسابات عينها على قرار ملاحقة هؤلاء الأفراد قضائياً، وتشمل هذه العملية إقفال شركات صورية وكشف أمرها للمجموعات التي تزود المواد النووية، وبذلك تصبح هويتها وقدراتها واضحة أمام الجميع. فضلاً عن ذلك، لا يمكنك وقف نشاطات البحث عن معلومات بشأن هذه المسألة، ولا تستطيع مقاضاة الجميع، حتى لو أردت ذلك، لأنك ستواجه عقبات تتعلق بالمصادر والوسائل، فلن تتعاون معك بلدان لا تملك أجهزة قضائية أو قوانين تتيح لك مقاضاة أحد أبنائها أو الحصول على معلومات تحتاج إليها من أجل محاكمة ناجحة".أما ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي ومؤلف كتاب Peddling Peril (كتاب جديد يركّز في جزء منه على شبكة خان)، فيعلن أن مجتمع منع انتشار الأسلحة النووية يشعر منذ سنوات بالقلق بشأن عناصر شبكة خان الذين تفلتوا من الملاحقة القضائية. ويوضح أولبرايت: "من الوقائع المهمة التي برزت خلال محاكمة أفراد شبكة خان حقيقة أن هؤلاء الأشخاص لا يجيدون أي مهنة أخرى، لذلك تنشأ مخاوف مستمر من أن تستأنف بقايا شبكة خان نشاطات الشبكة غير المشروعة".ويضيف أولبرايت، الذي كان سابقاً مفتش أسلحة: "جرت محاكمة عدد قليل من الناس، ونشعر أن هذه الشبكة لم تفكك حقاً ولم تُنزع جذورها وأغصانها كافة".ثمة أسئلة كثيرة عن شبكة خان لم تلقَ جواباً بعد، ويدور بعضها حول دور الحكومة الباكستانية في دعم هذه النشاطات غير المشروعة، ويقول مساعد في الكونغرس مطلع على هذه القضية: "نظراً إلى تاريخ باكستان الطويل من عمليات نشر الأسلحة النووية، من المبرر التشكيك في أن تكون الشبكة قد فُككت بأكملها".كان برويز مشرف، الرئيس الباكستاني آنذاك، أول مَن كشف عن نقل الشبكة تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم إلى ليبيا وإيران وكوريا الشمالية في مذكراته In the Line of Fire، التي صدرت عام 2006.وفي شهر سبتمبر، نشر الصحافي سيمون هاندرسون رسالة بخط اليد كتبها خان عام 2007 تكشف أنه يدير شبكة بالنيابة عن الحكومة الباكستانية، مع أن المسؤولين الباكستانيين ادعوا أنه عمل بمفرده من دون أي تشجيع من الحكومة أو الجيش، ولم تسمح الحكومة الباكستانية مطلقاً للمسؤولين الأميركيين بالاتصال بخان حين كان قيد الإقامة الجبرية.Eli Lake إيلي ليك