اجتماع مجلس الخدمة المدينة الأخير حبس أنفاس الآلاف من موظفي الدولة في الاختصاصات المهنية والفنية والإدارية المختلفة، حيث بلغ عدد الموضوعات التي ناقشها المجلس في جلسة ماراثونية برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية أكثر من مئة وعشرين موضوعاً من المفترض أنها تعالج ليس فقط المزايا والعلاوات إنما المسميات الوظيفية وطبيعة العمل المتعلقة بهذه الاختصاصات، ولعل جيشاً من الكوادر الوطنية يترقب مصيره الوظيفي وملامح حياته المستقبلية على ضوء القرار النهائي لمجلس الوزراء.

Ad

وحساسية الحكومة المفرطة من مسألة الكوادر واختزالها فقط بالكلف المالية الإضافية يمثل عقدة مزمنة لها، وسبق أن صنفتها ضمن الخطوط الحمراء التي لا يمكن الاقتراب منها، ولذلك فإن القوى الضاغطة للنقابات المهتمة بشأن منتسبيها وبدعم من مجلس الأمة من جهة والعناد الحكومي الذي يرى في مثل هذا التحرك مجرد تحدٍّ ودغدغة مشاعر من جهة أخرى تسبب في ترهل الكثير من القطاعات التي يفرض فيها الجودة والإنتاجية في القطاع العام شبه الميت!

ومن المحتمل جداً أن تعالج الحكومة مسألة الكوادر خلافاً لقناعاتها، بل لا نستغرب إذا تحولت الحكومة نفسها إلى أكبر مزايد ومدغدغ للمشاعر خلال إقرار بعض المزايا المالية وزيادة الرواتب لأكبر عدد من هذه الكوادر، سواء من أجل سحب البساط من مجلس الأمة، وكسب بقية القطاعات الشعبية، أو لإنقاذ المواقف المحرجة التي وضعت الحكومة النواب المؤيدين لها فيها أمام قواعدهم، وهذا المخرج في كل الأحوال يؤكد الرتابة في الفكر الحكومي وشعاراتها الجوفاء حول الإصلاح والتنمية. نعم زيادة الرواتب رغبة شعبية مستحقة، وتأخرت كثيراً بسبب انتظار الحكومة للفرصة المناسبة لعقد الصفقات السياسية بشأنها، وقد لا توجد فرصة أفضل من اليوم، حيث إن الأغلبية البرلمانية الحالية قد فرشت الساحة السياسية للحكومة ببساط أحمدي لتفعل ما تشاء وكيفما تشاء ومتى تشاء!

ولكن الزيادة في الرواتب أمام غول الغلاء واختناق المواطنين بمشاكل القروض وتردي الخدمات شيء، والثورة الإدارية المطلوب تحقيقها شيء آخر، فالإصلاح الإداري لجهاز عملاق مثل القطاع العام لا يقل أهمية عن الحماس الحكومي لإقرار مشاريع الخصخصة، والدور المحوري للقطاع الحكومي يجب أن يكون مركزياً في خطة التنمية كما هي الحال للقطاع الخاص إن لم يكن أهم، والدراسات والتقارير الدولية سواء عن طريق البنك الدولي والمكاتب الاستشارية العالمية إضافة إلى توصيات مؤسسات البحث العلمي المحلية جميعها تنادي بضرورة وجود خطين متوازيين لتطوير القطاعين الخاص والعام في نفس الوقت.

وإذا كان تطوير وإصلاح الجهاز الإداري الحكومي مطلبين حيويين، فإن الكوادر المهنية والحرفية والمتخصصة تزيد أهميتها من حيث إمكان مساهمتها في الناتج القومي الحقيقي والإشراف على البنية التحتية المستقبلية التي ستحدد ملامح الدولة والمجتمع لسنوات طويلة إلى الأمام.

ولذلك، فإن تعزيز الثقة بكوادرنا الوطنية من مهندسين ومعلمين ومحاسبين وصيادلة وأطباء وإعلاميين وخبراء قانونين وأصحاب مهن حرفية وسطى هو التحدي الأكبر الذي يجب أن يكون أمام أي حكومة عنوانها الرئيس التنمية والإصلاح!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة