بهدوء انسحب الكاتب محمد مساعد الصالح من الكتابة الصحافية اليومية، وبهدوء ما عاد اسمه يُزيِّن الصفحة الأخيرة لجريدة القبس، التي احتضنت كتاباته في السنوات الأخيرة، وبهدوء انسحب شيء من تفاؤل، وشيء من دعابة، وشيء من حقيقة كان يطلُّ على مائدة صباحي في كل يوم، وبألم افتقد يومي صديقا صدوقا كان يردد عليَّ في كل صباح: الله بالخير، وكنت وآلاف من القراء، داخل وخارج الكويت، نردّ التحية: الله بالنور.

Ad

محمد مساعد الصالح، المولود عام 1935، ينتمي إلى عائلة محبة للعلم والثقافة والأدب والحياة، وقد تلقى تعليمه الأول في المدرسة المباركية، ومن ثم أكمل تعليمه الجامعي في القاهرة، ضمن الطلبة الكويتيين الذين تخرجوا في مدرسة مصر الدنيا، قبل تخرجهم في جامعاتها. ولقد عاد الصالح من مصر يحمل شهادة المحاماة، لكنه عاد يحمل رسالة المبدأ، رسالة القلم، وصوت القلم العالي، وروح القلم الوثابة، لذا عرفته الكويت والعالم العربي كاتباً صحافياً مخلصاً لكلمته، ومخلصاً لمبادئه ومخلصاً لوطنه الصغير الكويت ووطنه الكبير العربي.

انضم محمد مساعد الصالح إلى رابطة نادي الاستقلال الثقافي والاجتماعي، يوم كانت الكويت تغلي بتياراتها الفكرية والاجتماعية والفنية، إبان الخمسينيات والستينيات. ولقد عمِل الصالح رئيساً لتحرير صحيفة الوطن لمدة 16 عاماً، كما عمل رئيساً لتحرير مجلة الهدف لمدة 14 عاماً، وشغل منصب أمين سر جمعية الصحافيين الكويتية، لكن قبل هذا وذاك، فتح لنفسه نافذة صحافية عريضة عبر عموده الخاص المعنون بـ»الله بالخير»، وظل عقوداً يقدم زاداً سياسياً وثقافياً وفكرياً وأدبياً وإنسانياً يومياً لقراء ربطته بهم قوة الكلمة وصدق الكلمة وفعل الكلمة الساحر. ولقد امتاز قلمه بنكهة تفكهٍ وخفة دمٍ قلما توافرت لقلم آخر.

أعلم تماماً أن شارعاً سيُسمى على اسم محمد مساعد الصالح، وأعلم كذلك أن اسمه سيُطلق على إحدى مدارس وزارة التربية، لكن ما يحزّ في النفس أن الأستاذ محمد مساعد الصالح، أطال الله في عمره، اكتفى بأن ينسحب بهدوء من عالم الكتابة والصحافة اليومية، بسبب مرضه، وأنه يحيا بيننا كأجمل ما تكون الحياة، دون أن تبادر جهة ما إلى تكريمه بما يستحق من تكريم وبما يتناسب مع عطائه الكبير.

إن مبادرة من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أو جمعية الصحافيين أو رابطة الأدباء أو جمعية المحامين، أو جامعة الكويت-قسم الإعلام، أو جريدة القبس، أو أي جهة أخرى، لتُعدّ تكريماً للصحافة الكويتية ممثلة بشخص الأستاذ محمد مساعد الصالح، وبما يليق وجزيل عطائه، ويليق بتكريم بلد لأحد أبنائه المخلصين.

«أبو طلال» أيها الصديق العزيز، لك حيثما تكون ألف الله بالخير، ولك أمنيات العمر المديد... آمين.