لا تعقدوا قمة ثقافية دون برنامج عمل واستعداد لتنفيذه!


نشر في 28-01-2010
آخر تحديث 28-01-2010 | 00:00
 أ. د. محمد جابر الأنصاري لا خلاف على أن الثقافة، في الوضع العربي المتعثر الراهن، تمثل المحور الأساسي للعمل العربي المشترك. ومنذ سنين والكتابات الثقافية العربية تنبّه إلى أن مؤشر الأحداث المتتابعة والمتراكمة يتجه نحو هذا المحور.

وكان كاتب هذه السطور قد حاول في مناسبات عدة منذ ذلك الوقت الإشارة إلى أن الثقافة أصبحت بمنزلة خندق الدفاع الأخير عن الوجود العربي المهدد من كل جانب. كل هذا صحيح، من الناحية المبدئية والنظرية وقد تزايدت الدعوات أخيراً إلى عقد مؤتمر قمة ثقافية عربية لتدارك هذا الأمر كان من آخرها وأقواها في تقديري المقالة القيّمة للدكتور مصطفى الفقي في «الحياة» (19/1/2010م)، بل إن من أصحاب القرار العربي الجادين والمتابعين من يذهب إلى أن توجهات الأحداث والتيارات العالمية الجديدة في المنطقة والعالم تدفع بأن تتحول جامعة الدول العربية برمتها، وأن تعاد هيكلتها إن شئنا الحفاظ عليها، بحيـث تصبح «يونسكو عربية» تهتم بما يربط بين العرب أساساً من تراث وثقافة ولغة وروابط حضارية مشتركة، بعد أن توزعت السياسة والاقتصاد «أيدي سبأ» بين تجاذبات ما سمي بمشروع «الشرق الأوسط الكبير» بوجود إيران وتركيا وإسرائيل وظهور التكتلات الإقليمية العربية المتعددة، المنجذبة إلى ما يجاورها من كتل عالمية ضخمة كأوربا في حالة الاتحاد المغاربي وإفريقيا في حالة المستجدات الليبية وآسيا الشرقية في حالة التعاون الخليجي.

وكنت، ومازلت، قوي الاعتقاد أن مصر كبلد قيادي رائد، عربياً، قد لا تستطيع منافسة دول آسيا الشرقية بمنتوجها الصناعي في الأسواق العربية، ولكن أياً من تلك الدول، لا تستطيع، بالقطع، منافسة مصر ثقافياً في وطنها العربي.

وبلا ريب، فهذه دعوة جذرية ذات توجّه نوعي وتحتاج إلى تمعن متحفظ قد لا يسمح به ضغط الأحداث المتسارعة في المنطقة العربية التي تستوجب العمل السياسي المشترك، فهل القمة الثقافية العربية يمكن أن تكون مجدية، وما السبل المؤدية إلى تحقيق جدواها، إن كانت مجدية؟

وبأمانة وصراحة، فإذا كانت قمة ثقافية عربية ستعقد- استجابة فقط لضغط المطالبات- وستصدر من القرارات الرنانة في الهواء «ما يثلج صدور المثقفين والمتأثرين بهم من الجماهير»، ثم ستبقى كغيرها من بيانات القمم العربية بدءاً من الدفاع المشترك، وانتهاءً بالسوق الاقتصادية العربية حبراً على ورق، فالأفضل والأكرم للقادة العرب أنفسهم، وللعرب جميعاً، ولمثقفيهم خصوصاً، ألا تعقد، لأن عقدها، ثم الاكتفاء بالكلام الفارغ، سيمثل «إهانة واستخفافاً» بكل المشاركين فيها، وبمن تتوجه إليهم بالخطاب، وهم يُقدّرون بمئات الملايين، وستولد من الحسرات أكثر مما ستحقق من الإنجازات... هذا إن حققت!

وفي تقديري المتواضع، فإن التركيز على هدف محدد واحد، والعمل على تحقيقه، أجدى من التصدي لأكبر الأمور التي ضيع العرب أعمارهم من أجلها فلم يحققوا منها شيئاً، فعادوا اليوم بخفي حنين!

* مفكر من البحرين 

back to top