ليست قصيدة الشاعر العراقي الراحل عقيل علي رمية نرد مقذوف في الفراغ،

Ad

إنها بالأحرى قيامة معجونة بالأعصاب والدم وبأنفاس الحياة، قصيدة ما أن ترسل صرختها حتى يغلفك ضباب الألم والخسارة، العتمة بضوء خفيف يشبه الأمل،

الفقد بجسارة حضور الكائن في قلب الفردوس «جنان آدم وقصائد أخرى»

منشورات الجمل، هذه الآثار الشعرية التي تقول الأشياء بكثافة وتسميها باسمها، تذهب مباشرة إلى جوهر الحدث الشعري دون أن تتخلى عن مجد حياتها، عن شعرية تقف على الضد من بلاغة إنشائية فارغة، آثار شعرية تطيح بالممكن والمستحيل وهي تطرق أبواب الظلام. كأن عقيل علي كان يريد أن يقول كل

شيء دفعة واحدة وعلى عجل.

عندما هبطت تتجول

دخلت غربان إلى بحيرات نومك. يقول في قصيدة كلمات.

لا يشبه عقيل علي أحداً، لا يشبه إلا نفسه، وإذا كانت تجربة الشعر العراقي قد أوجدت شعراء يمكن الارتكاز إلى منجزهم الشعري والحياتي، مثل عبد الأمير الحصيري وجان دمو وكلاهما كان متمرداً ومشرداً، فإن حياة عقيل علي

خصوصاً في مرحلتها الأخيرة لم تكن سوى مشقة في الروح والجسد.

ارتحل عقيل علي إلى نقطة معتمة، ولم يقدر على التراجع، كان الواقع أكثر من معضلة قاسية، وكان الشاعر يطرح الأسئلة ويعري جذور البلاد، «إنني أعري هذه البلاد، أتحلق حول بقاياها وأنادي غيابها ليتقدم» كان عقيل يحلم ببلاد أخرى لكن هذه ظلت تفلت منه، تفلت من يده باستمرار، «سأؤسس بلاداً، أبتدؤها بمطر، واربكها بعزلة انطق بضجيج مدنها، وأعد أصنامها، ثم ألغيها دفعة واحدة»، من قصيدة بلاد.

على الأرجح لم يكن الشاعر ينتظر كثيراً، لم يكن ينتظر أملاً زائفاً، كان يعي بحدسه الشعري أو بنظرته الإنسانية أن لا شيء هناك ليُنتظر،

«لا أحد هناك،

والبيوت أفق شاسع

لا أحد هناك

وحدي أسمع تبعثر الموجة، أسمع اضطراب أشلائها»

لا أحد هناك، يقول في واحدة من أجمل النصوص في الكتاب قصيدة «أناشيد»، كأنما لازمة، لا أحد هناك، تتويج لحياة خاسرة سلفاً، لعالم لم يعد يجدي فيه الزمن الحاضر، وما بقي ليس سوى مديح لذاكرة حلمية، ووجع يقرب من حافة الأمل، جزيل الشكر إلى الذاكرة مرآة الحلم. هكذا يعترف الشاعر.