انفتح جرحٌ في خاصرة العرب هو جرح النيل، فهناك مؤامرة ضد مصر يشترك فيها عدد من دول "المصادر"، مع خلفيات غير بعيدة عن الأصابع الصهيونية، هدفها إلغاء اتفاقية قديمة تعود إلى نهايات سنوات القرن التاسع عشر، حدَّدت نِسبَ المُحاصَصة بالنسبة إلى مياه هذا النهر بين دول المجرى والمصب، وآخرها جمهورية مصر العربية.

Ad

لأن "مصر هِبَة النيل"، وهذه مقولة قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي هيرودوت، فإنه لتقدير حجم المشكلة علينا أن نتصور أن تصبح هذه الدولة العربية بلا هذا النهر أو بنصفه أو ربعه، فهذه مسألة لا تتعلق بالأمن الاقتصادي، إنما بحياة أكثر من ثمانين مليون مصري سيتضاعف عددهم عشرات المرات مع نهايات هذا القرن وفي سنوات القرون المقبلة.

معظم الدول التي تصرفت بدوافع مشبوهة ولجأت إلى "التعدّي" على اتفاقية دولية عمرها أكثر من قرن من الأعوام، واتخذت قراراً بإعادة النظر في حصص دول المجرى ومن بينها مصر، التي هي المستهدفة في حقيقة الأمر بهذا الإجراء، ليست في حاجة إلى المياه التي تنوي حجزها عن هذه الدول، وهذا يؤكد أن هناك مؤامرة تستهدف الشعب المصري الذي ينزرع في هذا الوادي منذ أن بدأت الحياة على هذه الكرة الأرضية.

الآن تحاول مصر معالجة الأمر بالوسائل الدبلوماسية الهادئة، وهي تواظب على إرسال الوفود إلى الدول الإفريقية التي تسمّى دول المنابع، لكن الواضح أنه إذا لم تُجدِ هذه الوسائل نفعاً وإذا بقيت هذه الدول تركب رؤوسها وتصر على ما هي عازمة عليه، فإن اللجوء إلى العمل العسكري -وهو أسوأ الخيارات- يصبح غير مستبعد، إذْ إن الأمر يتعلق بحياة شعب بأكمله وهذا لا يمكن السكوت عنه وتجاوزه بسهولة.

وهنا، فإنه على الدول العربية حتى لو أن مصر لم تطلب منها ذلك، أن تعتبر هذا التوجه المشبوه الذي لجأت إليه بعض الدول الإفريقية، التي كلها لمصر دين في أعناقها خصوصاً في زمن الصراع من أجل الاستقلال، اعتداءً على سيادة وشرف العرب كلهم، وأن تُخضِع سياساتها وعلاقاتها مع هذه الدول لهذه المسألة الحساسة والخطيرة، والتي تستهدف شعباً عربياً بحياته ومستقبل أجياله وحضارته واستكمال مسيرته التاريخية.