ثلاثة ملفات انجزتها الرياض... يجدر بالعرب التوقف عندها


نشر في 11-03-2010
آخر تحديث 11-03-2010 | 00:00
 أ. د. محمد جابر الأنصاري إن الزمن صار يعمل لمصلحة العرب بعد أن كان يعمل لمصلحة إسرائيل، وعلى العرب استكشاف هذه الآفاق الجديدة المشجعة بدل جلد الذات والبكائيات المتفجعة. نقول مراراً وتكراراً إن العرب قد تجرفهم هذه العوامل المعاكسة إلى ما لا تحمد عقباه، لكن الموقف التاريخي يستوجب ضبط النفس.

الملف الأول هو مؤتمر المانحين لليمن من أجل تنميته في سبيل التغلب على المشكلات السياسية والأمنية التي تواجهه، وبالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية، عبر منطقتها الجنوبية، في جوار لصيق مع اليمن، وأصابها رذاذ التمرد في شماله الذي ردته بحزم وقوة، فإنها معنية تماماً، أكثر من غيرها، بالشأن اليمني.

وموقفنا من الوحدة والدولة في اليمن الكبير عبرنا عنه مراراً ولا نرى داعياً لإيضاحـات «اعتذارية» بشأنه، والمعروف أن اليمن شديد الحرص على الانضمام إلى مجلس التعـاون الخليجي، وهو في القلب من هذا التجمع العربي، ومواقفه العربية مقدرة ومشكورة، لكننا نرى شخصياً بأمانة، أن عضويته الشكلية الرسمية بالمجلس لا تقدم ولا تؤخر، وثمة دول عربية مجاورة ولصيقة أخرى، من حقها أن تنضم إلى المجلـس أيضاً، وهذا يفتح باباً لا ندري كيف سيغلق، والأفضل إيجاد صيغة دعم عملي لليمن، وهو ما تقوم به أكبر دول مجلس التعاون، وهي المملكة العربية السعودية وبإمكان دول خليجية أخرى، مهتمة بالشأن اليمني، أن تنسق مع السعودية بهذا الشأن، ولكن للعضوية الرسمية الشكلية تبعات من المستحسن تجنبها.

وأهل الخليج، بدول مجلس التعاون، مع اليمن قلباً وقالباً، لكن لن يهدأ لهم بال إذا ظل أهلنا في شماله مع قيادتهم في جانب وبقي أهلنا في جنوبه، في جانب آخر. بعد إنهاء التمرد الحوثي بمساعدة السعودية، من المناسب أن تفتح القيادة اليمنية حواراً محباً مع أهلنا في الجنوب، وإننا مع وحدة اليمن الكبير، وقد انتهى زمن التشطير الذي عمل أهلنا في الجنوب مع أشقائهم في الشمال من أجل تجاوزه، ونقول «لا» للانفصال، وعلى هذا الأساس ندعو إلى حل سياسي، من أجل أن يكون للوحدة معناها وطعمها الجميل. نعم لاستمرار الوحدة والدولة في اليمن الكبير، لا للانفصال، ولكن لتكن الوحدة قدر شعوبنا بخيارها الحر... كما هو نموذج دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لا تبعد كثيراً عن اليمن.

الملف الثاني، الذي أنجزته الرياض، تمثل في زيارة رئيس وزراء الهند إلى السعودية في خطوة تاريخية، وإنها مرحلة الخروج السعودي من «التابو» بتوجيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي زار نيودلهي بعد أشهر قليلة من تسلمه الملك. وكان مهماً للغاية تصريح رئيس الوزراء الهندي للصحافة السعودية بأن العلاقات المستجدة بين البلدين ليست على حساب دول أخرى، كباكستان مثلاً التي ظلت السياسة السعودية مرتبطة بها لأسباب دينية. سيبقى لباكستان المسلمة دورها وستبقى لها مكانتها، والملاحظ أن الأمير خالد بن سلطان، مساعد وزير الدفاع السـعودي، قد قدّم وسام الملك عبدالعزيز، من الدرجة الممتازة وبأمر خادم الحرمين الشـريفين، إلى رئيس الأركان الباكستاني الذي كان يزور الرياض في وقت واحد مع رئيس وزراء الهند. إن باكستان والهند تجريان محادثات سلام وتهدئة بينهما. ومن البراغماتية السياسية تعزيز العلاقات مع الهند دون أن تكون على حساب طرف ثالث، وبلا شك فباكستان تتفهم ذلك، والتفاهم مع الهند مسألة استراتيجية في غاية الأهمية، ليس للسعودية فحسب، إنما للخليج والعرب بعامة، فلو حصل تحالف إيراني-هندي وثيق من أجل تغيير الأوضاع في المنطقة، بحكم وجود أكبر جاليتين ضمن التركيبة السكانية في بعض الدول الخليجية، وبحكم كون البلدين أكبر قوتين إقليميتين في المنطقة، لانقلبت الأوضاع، بتدخل عسكري أو من دونه. وهذا ما يدركه الجانبان الهندي والإيراني أيضاً. ومن الأهمية بمكان اجتذاب الهند، دون استعداء إيران التي تُجمع دول الخليج، بما في ذلك السعودية، على ضرورة إدخالها في المجتمع الدولي بالسلم والتنمية والرخاء لمصلحة شعبها وشعوب المنطقة.

أما الملف الثالث، فهو الموافقة العربية، من خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في إطار الجامعة العربية بالقاهرة على استمرار مسعى السلام العربي على أساس «مبادرة السلام العربية» التي بادر بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز وطرحها في القمة العربية في بيروت عام 2002، ووافق عليها القادة العرب منذ ذلك الحين.

وسواء كان القرار باستمرار هجمة السلام العربية يتضمن مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، فهذه جزئيات وتفاصيل.

السلام يعني شيئاً في غاية الأهمية للعرب واستقرار المنطقة وعدم تحقيقه طوال هذا الوقت مسؤول عما في الساحة العربية من توتر واضطراب، وكراهية، وكان الطرف الإسرائيلي يزعم في الماضي أنه يريد السلام والعرب لا يريدونه. وقد انقلب الأمر اليوم، فالعرب يسعون إلى السلام والطرف الآخر يخشاه ويتهرب منه ويحاول إظهار العرب بأنهـم يجهضونه، والعالم يدرك الحقيقة وإسرائيل تفقد رصيدها الدولي الذي طالما استثمرته، والمأمول ألا يندفع طرف عربي تحت ضغط الظروف ليظهر بمظهر الهادم لمحاولات السلام، فيحقق لإسرائيل ما تريده من تعاطف عالمي.

نتفهم أن الوضع محبط، والأغلبية العربية تشعر بالمهانة، وثمة أطراف تلعب على هذا الوتر خدمةً لأجندتها الخاصة، وأشك أنها جادة في المواجهة، ولكنها محاولة لكسب الجماهير العربية، وتبقى مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية وأجمعت عليها الدول العربية هي المدخل الوحيد لحل الأزمة في الوقت الراهن في ظل اختلال ميزان القوة لمصلحة إسرائيل. والسلام سيتيح للعرب الاستقرار لتحقيق التقدم، بينما سيواجه الإسرائيليون أنفسهم صراعا أهليا غير مستبعد، وهم يخشون أن يستيقظوا يوماً ما على عالم عربي ناهض وقادر على استعادة زمام المبادرة، لذلك يتهربون من السلام، لكنهم يحاولون إظهار العرب أمام العالم بمظهر المعارض له ولا أستبعد أن يزيدوا من استفزازهم للمشاعر العربية من أجل ذلك، وإذا استسلم العرب لاستفزازهم فسيكون خطأ تاريخياً آخر، كرفض التقسيم، والعرب- للأسف- معرضون لذلك.

إن قوى العالم تريد بقاء إسرائيل، لكن هذه القوى توصلت إلى ضرورة أن تكون للفلسطينيين أيضاً دولتهم في ظل سلام شامل، وطبيعة اللحظة التاريخية تتطلب القبول بذلك، والرأي قبل شجاعة الشجعان. إن النزعة القومية الصهيونية التي جاءت بها مكونات المجتمع الإسرائيلي من شرق أوروبا آخذة في الخفوت، كما أن «يهودية» إسرائيل التي يريدون التعويض بها عن تلك، غير قابلة للحياة في عصر العولمة، فضلاً عن كونها فكرة عنصرية لن تكون مقبولة في عالم اليوم والغد. إن الزمن صار يعمل لمصلحة العرب بعد أن كان يعمل لمصلحة إسرائيل، وعلى العرب استكشاف هذه الآفاق الجديدة المشجعة بدل جلد الذات والبكائيات المتفجعة. نقول مراراً وتكراراً إن العرب، لعوامل ذاتية متصلة بتكوينهم النفسي والعقلي ولعوامل موضوعية عائدة لطبيعة المواقف الإسرائيلية، قد تجرفهم هذه العوامل المعاكسة إلى ما لا تحمد عقباه، لكن الموقف التاريخي يستوجب ضبط النفس مثلما ضبط اليابانيون في الشرق أنفسهم بعد المحرقة النووية وفاجؤوا العالم بما هم عليه اليوم.

*مفكر من البحرين 

back to top