هل أجور المصرفيين أصل الشرور المالية حقاً؟

نشر في 26-01-2010 | 00:01
آخر تحديث 26-01-2010 | 00:01
 ستيفن ن. كابلان إن الممارسات المرتبطة بالأجور والمكافآت في الشركات المالية متهمة بأنها السبب الرئيس وراء الأزمة المالية العالمية الأخيرة. ويقال إن تقييد أجور المصرفيين هو التصرف الواجب. ولكن هل تنجح مثل هذه القيود؟

قبل أن نؤسس لمثل هذا التنظيم العدواني العنيف، يتعين علينا أن ندرس ما إذا كانت هياكل الأجور والمكافآت في الماضي هي حقاً المحفز لمشاكلنا الأخيرة. وأن نقول إنها كانت كذلك بالفعل يعني ضمناً ثلاثة أمور: الأول أن الرؤساء التنفيذيين للبنوك كانوا يحصلون على مكافآت ضخمة في مقابل نتائج قصيرة الأمد؛ والثاني أن الرؤساء التنفيذيين للبنوك لم يحتفظوا بكميات ضخمة من رأس المال إلى الحد الكافي لمواءمة مصالحهم مع مصالح حاملي الأسهم؛ والثالث أن الرؤساء التنفيذيين، في ظل المزيد من المكافآت عن النتائج قصيرة الأمد والقليل من ملكية الأسهم، لابد أنهم وجدوا حافزاً عظيماً إلى خوض المجازفات السيئة والمفرطة، وبالتالي فإن أداءهم في الأزمة كان ينبغي أن يصبح أسوأ.

ولقد قام اثنان من خبراء الاقتصاد، وهما روديغر فالينبراش ورينيه شولتز، باختبار هذه الدلالات الضمنية من خلال دراسة أوضاع كبار الرؤساء التنفيذيين لما يقرب من مئة مؤسسة مالية ضخمة من عام 2006 إلى عام 2008. ولقد بدآ بعام 2006 لأن ذلك التاريخ يبدو أنه النقطة التي بدأت عندها بعض الشركات المالية في تبني المواقف الخطيرة التي أدت إلى الأزمة.

في عام 2006 كان الرؤساء التنفيذيون للشركات المالية يحصلون في المتوسط على 3.6 ملايين دولار في هيئة تعويضات نقدية، وهو المبلغ الذي كان يمثل أقل من نصف التعويضات الإجمالية. إذ كانت الحصة الأضخم من الأجر في هيئة أسهم مقيدة وعقود خيارات أسهم. وفي الوقت نفسه، كانوا يحتفظون بمتوسط 88 مليون دولار في هيئة أسهم وعقود خيارات أسهم في شركاتهم. أو أنهم بعبارة أخرى تركوا في شركاتهم أكثر من 24 مثل ما أخذوه معهم إلى بيوتهم. لذا يبدو أنه من غير المرجح أن تكون هذه المبالغ النقدية المباشرة قد شكلت الحافز الكافي لدفع الرئيس التنفيذي المتوسط إلى خوض المجازفات السيئة أو المفرطة التي قد تشكل خطراً على حصص أضخم كثيراً.

فضلاً عن ذلك فقد خسر هؤلاء الرؤساء التنفيذيون الكثير في الأزمة. فمنذ عام 2006 إلى عام 2008 خسر الرئيس التنفيذي المتوسط 31 مليون دولار من حيازاته من أسهم الشركة، الأمر الذي يجعل أي مكاسب من التعويضات النقدية ضئيلة للغاية. كما خسر الرؤساء التنفيذيون من عقود خيارات أسهمهم أيضاً.

لذا، فإن لم يكن السبب الذي جعل رؤساء البنوك التنفيذيين يوقعون شركاتهم (والعالم) في هذه الفوضى هو الأجور والحوافز المبكرة، فما السبب الحقيقي إذن؟ يشير بعض خبراء الاقتصاد إلى السياسة النقدية المفرطة في التوسع في الأعوام التي سبقت الأزمة. ويستشهد آخرون بما أطلقوا عليه "تخمة رأس المال"- التدفقات الضخمة من التمويل الخارجي القادم من الصين والعديد من بلدان العالم النامي. ويسلط آخرون الضوء على الدور الذي لعبه النظام السياسي في تضخيم القطاع المصرفي وأسعار العقارات، خصوصاً في قطاع الرهن العقاري الثانوي. بيد أن استبعاد ممارسات التعويض والأجور بصعوبة يجعلنا بلا جناة محتملين. وفي حين أن القيود التي يقترح البعض فرضها اليوم على الأجور من غير المرجح أن تمنع الأزمة المالية المقبلة، فمن المحتمل أن تلحق نفس القيود الضرر بالقطاع المالي. ولكي نتعرف على السبب، فمن المهم أن نفهم أولاً لماذا يحصل المصرفيون على أجور مرتفعة إلى هذا الحد؟

على مدى العقدين أو العقود الثلاثة الأخيرة، كان التغير التكنولوجي وزيادة الأحجام من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع معدلات الإنتاجية والدخول بشكل واضح بالنسبة لهؤلاء الذين يحتلون أعلى مراتب توزيع الدخول في المجتمع. فالآن يدير الرؤساء التنفيذيون شركات أضخم حجماً، والمستثمرون يتعاملون في مبالغ أضخم من المال. وأصبحت جماهير الفنانين والرياضيين أكبر. والمحامون يشرفون على صفقات وقضايا أضخم. وبطبيعة الحال فقد تعاظمت أجور هذه الفئات بحيث تجاوزت كثيراً الأجور التي يحصل عليها العامل العادي.

ونظراً لهذا الواقع فإن أفضل المصرفيين والسماسرة والقائمين على عقد الصفقات، إلى آخر هذه الفئات، سيعملون لمصلحة الشركات التي تقدم أكثر الأجور والتعويضات جاذبية. وعلى هذا فإن فرض قيود أعظم على الأجور من شأنه أن يدفع أصحاب الموهبة إلى الابتعاد عن البنوك الخاضعة للتنظيم والاتجاه نحو صناديق التحوط، وصناديق حقوق الملكية الخاصة، والبنوك الاستثمارية، وغير ذلك من الشركات المالية غير الخاضعة للتنظيم.

ومن المرجح أن يتفاقم استنزاف هذه المواهب بسبب فرض نظام واحد يسري على الجميع في تنظيم لوائح الأجور. فما الذي يجعلنا نفرض القيود على مفاوض صفقات يتقاضى رسوماً ضخمة لترتيب عمليات اندماج لا تشكل خطراً على البنك بعد إنهاء الصفقات؟ ويصدق القول نفسه على السمسار الذي يكتسب المال من دون خوض المجازفات. إن أفراد هذه الفئات من الموظفين سيعاقبون بلا سبب في ظل الأنظمة المقترحة للأجور.

ولعل الأمر الأكثر إزعاجاً هو أن فرض القيود على الأجور من شأنه أن يفتح أبوابا لا حصر لها أمام قيود أخرى. والواقع أن الساسة، من منطلق حرصهم على الظهور بمظهر طيب في أعين الناخبين الغاضبين، كثيراً ما يهتمون بوضع حدود للتعويضات الإجمالية أكثر من اهتمامهم بتصميم النموذج الأمثل للتعويضات.

إن البنوك تؤدي وظيفة خاصة في الاقتصاد، وهي الوظيفة التي تستدعي قيام الحكومة بدور خاص: ليس في تحديد الأجور، بل في فرض متطلبات رأس المال الفعّالة. والواقع أن فرض متطلبات أعلى ومتوافقة مع الدورات الاقتصادية على البنوك فيما يتصل برأسمال البنوك، بالإضافة إلى متطلب جمع الديون المشروطة الطويلة الأجل- الديون التي تتحول إلى أسهم في الأزمات- يشكل وسيلة أفضل للمضي قدماً. إن البنوك النموذجية يتم تمويلها بالأسهم العادية، والديون الطويلة الأجل، والديون القصيرة الأجل، والودائع. ولقد وقعت البنوك الاستثمارية مثل "بير شتيرنز" و"ليمان براذرز" في المتاعب لأنها كانت تحتفظ بقدر ضئيل للغاية من رأسمال الأسهم- أقل من 10%. وقد تفكر الجهات التنظيمية في فرض متطلبات أسهم على نحو يتوافق مع الدورات الاقتصادية- زيادة نسبة الأسهم في أوقات الرواج من أجل تعويض الخسائر في أوقات الركود المحتمة. فضلاً عن ذلك، يتعين على الجهات التنظيمية أن تلزم البنوك بإصدار كمية إضافية من رأس المال، ولنقل 10%- في هيئة ديون طويلة الأجل تتحول قسراً إلى أسهم إذا تعرض البنك والنظام المصرفي عموماً لضائقة مالية.

وفي إصدار رأس المال المشروط يتعين على البنوك أن تدفع أسعار فائدة أعلى من تلك التي كانت لتدفعها على الديون العادية الطويلة الأجل، وذلك لأن مستثمري الديون سيواجهون التكاليف الحقيقية لرأس المال، وليس التكاليف المدعومة بواسطة الحكومة. ولكن مع الوقت فمن المرجح أن تصبح أقساط الفائدة أصغر، وذلك لأن متطلبات رأس المال الأعلى ورأس المال المشروط لابد أن تحد بصورة واضحة من احتمالات بلوغ حافة الأزمة.

ولو كانت مثل هذه البنية القائمة على رأس المال المشروط في محلها قبل الأزمة، لكان من الممكن إعادة تمويل البنوك بواسطة حاملي الديون المشروطة في حين نتجنب التعقيدات والمواقف القانونية المحتمة في حالة الإفلاس الرسمي. ولكان بوسع مستثمري الديون، وليس الحكومة، أن ينقذوا البنوك، وهو ما كان ليجعل حجم الأزمة المالية أقل كثيراً، أو ربما ما كان ليسمح لها بالحدوث على الإطلاق.

* أستاذ تنظيم المشاريع التجارية والتمويل بكلية بوث لإدارة الأعمال

في جامعة شيكاغو.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top