من المعروف أن الحكومات في الدول الديمقراطية لا تستخدم القضاء ساحة لتصفية الحسابات السياسية أو للرد على الانتقادات السياسية مهما بلغت حدتها أو قسوتها، حتى لو وصل الأمر، في بعض الأحيان، إلى تعبير المعارضة السياسية عن وجهة نظرها بشيء من القسوة في الرأي، أو استخدمت التجريح السياسي للشخصيات العامة، لأن الحكومات الديمقراطية تدرك تماما أن ذلك هو جزء من "المعركة" السياسية المشروعة ديمقراطيا، إذ لا يقصد به إطلاقا، من الناحية السياسية، المساس بالأشخاص بقدر ما يكون نوعا من أنواع التعبير الحاد عن الرفض الشديد للسياسات الحكومية التي إما أن تكون سياسات غير مقنعة من وجهة نظر المعارضة، وإما أنها سياسات غير واضحة ويحيط بها الغموض من كل جانب، ما يدعو المعارضة إلى رفضها بكلمات قاسية وعبارات حادة نوعا ما لكي تستفز الشخصيات المسؤولة للإفصاح عن فحوى السياسات المعمول بها وتفسير مضمونها ومقاصدها أو دفع المسؤولين الحكوميين إلى تغييرها والتوقف عن الاستمرار بها.

Ad

خذ مثلا ما يطرحه بعض المتظاهرين في الدول الديمقراطية من شعارات سياسية ورسومات كاريكاتيرية للشخصيات العامة، بعضها ساخرة جدا، وبعضها قاسية ومؤذية نوعا ما، مثل وصف بعض المتظاهرين  للرئيس الأميركي أو لرئيس الوزراء البريطاني بأنهما "مجرما حرب" أو "مصاصا دماء" أو تجسيد شخصيتيهما في صور ودمى مثيرة للضحك، أو تشبيههما بالأجناس غير البشرية للتعبير عن درجة السخط الشعبي من سياستهما الخارجية في بلدان الشرق الأوسط (أفغانستان، إيران، العراق، فلسطين وغيرها)، بل إن الزائر إلى لندن سيلاحظ أن هنالك "معرضا دائما" في ميدان البرلمان المقابل لمجلس العموم البريطاني للصور الكاريكاتيرية والشعارات السياسية الحادة المناهضة لسياسات الحكومة البريطانية.

ومن الملاحظ في الدول الديمقراطية أنه كلما ازدادت حدة وقسوة اللغة التي تستخدمها المعارضة في وصف السياسات الحكومية لجأت حكومات هذه الدول إلى المزيد من الشفافية والعلانية ومصارحة الرأي العام من خلال توضيح وجهات نظرها حتى تسحب البساط من تحت أقدام المعارضة، فلا تجدي اللغة القاسية التي تستخدمها نفعا في إقناع الرأي العام وكسب تأييده، لأن منع المعارضة من استخدام حق الانتقاد وإبداء الرأي علانية بما فيه لغة الانتقاد الحادة سيكون أكثر ضررا، من الناحية السياسة، من السماح لها بذلك.  

لذلك فإنه من المؤسف أن تكون ساحة القضاء هي الميدان الذي يحتكم إليه سياسيونا لأن ذلك يعبر عن انحسار حرية إبداء الرأي وضيق صدور السياسيين من الانتقاد، وهو ما يعكسه العدد الكبير من القضايا المرفوعة من قبل أعضاء السلطتين ضد بعضهما بعضا، والقضايا التي يرفعها أعضاء المجلس ضد الصحافة وكتاب الرأي.

على أن التطور اللافت والمزعج حقا هو ملاحقة الحكومة لمعارضيها في ساحات القضاء وصدور أحكام لمصلحتها في قضايا رأي كان آخرها الحكم القضائي الصادر بحق الأخ خالد الفضالة الأمين العام للتحالف الوطني الديمقراطي في القضية المرفوعة ضده من قبل سمو رئيس مجلس الوزراء، إذ إن سجن الأخ خالد الفضالة يعتبر قضية سياسية، مع كامل الاحترام للحكم القضائي الواجب التنفيذ، لأن طرفي القضية هما طرفان سياسيان، بل إن التحالف الوطني الديمقراطي الذي يرأس أمانته الأخ خالد الفضالة المحبوس على ذمة القضية هو طرف سياسي فاعل ومعارض بشكل علني للسياسات الحكومية.

 لذا فإننا نتمنى أن تتوقف الحكومة عن ملاحقة معارضيها من السياسيين وكتاب الرأي الذين لا يهدفون إلا المصلحة الوطنية وتقدم البلد، كما نتمنى أن تقوم بسحب القضايا التي رفعتها ضدهم والتنازل عن القضايا الصادرة فيها أحكام لمصلحتها لأن في استمرار لجوئها إلى القضاء ضد منتقديها ومعارضيها ضررا سياسيا، وأيما ضرر سواء في الداخل أو على سمعة الكويت الخارجية.

 إن على الحكومة، بدلا من مقاضاة معارضيها، أن تعمل على تحسين أدائها العام وتطويره، بحيث تؤدي أعمالها كافة بشفافية عالية و ديمقراطية حقة ولا تجزع من الرأي الآخر أو تغضب من الانتقاد مهما كان حادا وقاسيا، وعليها أيضا أن تقارع الحجة بالحجة والرأي بالرأي بدلا من اللجوء إلى القضاء في قضايا وخلافات سياسية.