تصعيد مفتوح لتجنب حرب ممنوعة!


نشر في 03-05-2010
آخر تحديث 03-05-2010 | 00:00
 محمد صادق الحسيني * الإسرائيليون يعلمون علم اليقين أن «حزب الله» بات يملك منظومة صاروخية متطورة ورادعة بإمكانها أن تحول أي عدوان إسرائيلي ضد لبنان ليس فقط إلى مغامرة، بل إلى مقامرة قد تودي بحياة الكيان هذه المرة، والأميركيون من جهتهم أيضا باتوا على يقين بأن توجيه أي ضربة إلى إيران بات أشبه بمن يشعل فتيل حرب كونية قد تجعل من بقاء القوات الأميركية في المنطقة مغامرة لا يجرؤ الرئيس أوباما على تحمل نتائجها، وأما من يسمونهم بـ»عرب الاعتدال»، فهم من جهتهم أيضا باتوا يعرفون تماما أن تصعيد الموقف ضد إيران أو أي من حلفائها كمن يشعل برميل البارود الذي قد يطيح برؤوس العديد في المنطقة!

إذا كان ما تقدم صحيحاً، كما تؤكد التقارير المتداولة في الأروقة الخلفية للمشهد السياسي المحيط بجبهة المقاومة والممانعة، فلماذا إذن كل هذا الضجيج الذي يكاد يصل صداه إلى عنان السماء حول النووي الإيراني من جهة، وقصة صواريخ «سكود» من جهة أخرى؟ ولماذا تم توقيت صدور تلك الأحكام القاسية بحق ما بات يعرف بخلية «حزب الله» في مصر العربية في هذه اللحظة بالذات؟!

هل يريدون فعلاً تهيئة الأرضية للقيام بعمل ما ضد إيران أو سورية أو لبنان على خلفية هذه «الهمروجة» الإعلامية والدعائية، وهم الذين يعرفون أن ذلك سيكون بمنزلة إعلان الحرب الشاملة في المنطقة؟!

سؤال لم يستطع أحد القطع به إيجابا في المدى المنظور على الأقل، بل ثمة من يكاد يقطع به سلباً في المدى المنظور على الأقل!

ما الغرض اذن من كل ما يحصل من تصعيد إعلامي ونفسي ودعائي على هذا الصعيد؟ ثمة من يعتقد شبه جازم، ويملك من المعلومات التي لا يمكن الإفصاح بكثير منها، لكن القدر المتيقن منها، هو أن الجماعة يطلبون الأمان في الملفات التالية:

أولاً: ألّا يفاجئ «حزب الله» العالم بعمل «غير محسوب» قد يفضي إلى خلط الأوراق في المنطقة، ما قد يسبب ليس فقط في تغيير وجهها، وهو ما سبق أن حذر منه الأمين العام للحزب في وقت سابق، ويريدون لذلك ضمانات يظنون أنها لن تعطى من قبل حزب صاعد في قوته بشكل صاروخي إلا في أجواء متوترة كهذه!

ثانياً: ألّا تغير إيران من تكتيكاتها أو استراتيجيتها المعروفة حتى الآن في كل من العراق وأفغانستان، بما يؤمِّن الخروج المطمئن والمبرمج للقوات الأميركية من البلدين دون مفاجآت غير محسوبة، ويريدون ضمانات لذلك، ومثل تلك الضمانات غير متاحة بنظرهم إلا في مثل هكذا ظروف!

ثالثاً: أن تتراجع إيران من ساحة الاشتباك الفلسطيني- الإسرائيلي وتتعهد عبر آلية تعاون دولي معين بعدم وضع العصي في دواليب ما يسمونه بقطار «التسوية السلمية» التي بات يحتاج إليها أوباما كحاجته إلى الماء!

رابعاً: أن تتعهد سورية بالتعاون البناء في كل الملفات الآنفة الذكر من خلال وضع حد لدور» جسر العبور الحربي» الذي تلعبه بين إيران و»حزب الله»، بعد أن ثبت بالبرهان القاطع استحالة فصلها أو تفكيك تحالفها التاريخي والاستراتيجي مع قوى المقاومة والمواجهة في المنطقة!

وهذا يعني «بالعبري الفصيح» أن «الموساد» والمخابرات الأميركية الذين خططوا ونفذوا لاغتيال عماد مغنية ومن ثم محمود المبحوح وما بينهما غزوة بيروت عبر جريمة اغتيال الحريري، ووقعوا اتفاق كوندوليزا رايس- تسيبي ليفني الشهير للسيطرة على طرق إمداد المقاومة البحرية وغيرها، يبحثون الآن عن «اتفاق جنتلمان» مع القوى الداعمة للمقاومة بما يساوي عملياً وضع «سقف محدد» لسباق الردع بين قوى المقاومة والكيان الإسرائيلي، يمكنهم من المضي قدماً في استراتيجية السلام- تصفية القضية الفلسطينية- بأقل الأضرار الممكنة!

ولما كان الوصول إلى هذا الهدف وإنجازه في المدى المنظور ليس ممكناً بسهولة فكان لابد من تصعيد الموقف على مستويات عدة هي:

أولاً: التهويل بالنووي الإيراني عالميا إلى حده الأقصى وجعله بمنزلة الخطر العالمي الداهم على الأمن والاستقرار العالميين!

ثانياً: اختراع قصة تهريب صواريخ «سكود» مترافقة مع حملة إعلامية وأمنية

واستخباراتية إقليمية وعالمية حول الحدود اللبنانية السورية، وعلاقة كل ذلك بالقرار (1701) من أجل التشويش على علاقات «حزب الله» مع كل من سورية وإيران، ووضع هذا المثلث في المزاد الإقليمي الضاغط لوقف تسارع معادلة الردع المتبادل بين الجانبين!

ثالثاً: إصدار الأحكام القاسية والظالمة بحق «خلية سامي شهاب» التي كما يعلمون علم اليقين أنها ليست سوى حلقة واحدة من حلقات خلايا المجاهدين على طريق خط الإمداد المقاوم، في هذا التوقيت بالذات، حتى تكتمل دائرة الحرب النفسية على «حزب الله» اللبناني وحشره في زاوية التسويات والتنازلات المتبادلة!

إن هذا التصعيد المفتوح فوق الطاولة من جهة والمطالبة بتحديد هذا السقف الآنف الذكر، كما توحي المفاوضات الجارية من تحت الطاولة، إنما يحصل لاعتقادهم الراسخ بأنه بات الإجراء الوحيد القادر أن يحميهم من أي مفاجآت غير منتظرة أو غير متوقعة، بعد أن فقدوا القدرة على تقدير ميزان الردع الذي بات يملكه مجموع أطراف جبهة المقاومة والممانعة!

ما يعني عملياً بالنسبة لهم الإجراء الوحيد المتبقي لهم لتجنب الحرب التي يخشون وقوعها ويتهربون من إشعال فتيلها في المدى المنظور على الأقل، وذلك بسبب عدم استكمال ترميم الهيكلية القتالية والعجز المستمر في إعادة رسم الصورة المهشمة لجيش الكيان منذ حربي «يوليو» و»ديسمبر» اللبنانية والفلسطينية!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني

back to top