يمكن النظر إلى أسباب متعددة أدت إلى طغيان جنس الرواية، خلال العقدين الماضيين، على ما سواه من الأجناس الأدبية، عالمياً وعربياً، مما أغرى ودفع الكثيرين إلى تجربة حظوظهم في كتابة الرواية، وأدى ذلك بالتالي إلى اختلاط الحابل بالنابل، وإغراق سوق القراءة العربية بروايات من كل نوع، خاصة في ظل تجارة دور النشر العربية وبؤس ساحة النقد العربية، لكن أعمالاً روائية بعينها يمكن الوقوف عندها بوصفها روايات مبدعة، شكلاً ومضموناً، تحقق بجدارة الشرط الفني لجنس الرواية بنَفَس ورؤية إنسانيين، وتمتلك القدرة على مقاومة الزمن، واختراق حواجز المكان، وتحريك شيء ما في عقل وفكر القارئ ووجدانه، أينما كان وحيثما كان ظرفه.

Ad

من هنا فإن فكرة إقامة «محترف أو مدرسة دائمة لتعليم الكتابة الروائية والسينمائية والمسرحية» عربياً، هي بحد ذاتها فكرة رائدة، خاصة إذا كانت القائمة عليها روائية أثبتت قدرتها على كتابة رواية مبدعة، وأنها تأتي من باريس إلى لبنان، من باريس الفن والثقافة، إلى لبنان الكتاب والنشر والحرية. تأتي محملة بحلم إبداعي عربي مشروع. وفي ذلك تقول الروائية نجوى بركات، صاحبة المشروع، في مقابلة أجرتها معها صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 27/6/2010: «الأمر يأخذ مني طاقة وجهداً ووقتاً، وذلك شيء يحزنني أحياناً لأنه يبعدني عن كتابتي. لكن، وإن بدا كلامي هذا من قبيل الرطانة أو المبالغة، أشعر أني منخرطة في مبادرة أؤمن حقيقة بضرورتها وفائدتها».

إن وقوفاً متأملاً لحالة الرواية العربية، والشبابية تحديداً، على طول وعرض العالم العربي، يؤكد كلام الروائية نجوى، من ناحية الضرورة الملحة لمثل هذا المشروع وهذه المبادرة، فهناك حالة من الإسهال الروائي العربي، وهي مصحوبة بحالة من الاستسهال، والظن بأن أي ذكريات أو تجربة شخصية، محمولة على شهية الحكي، قادرة على صنع رواية ناجحة.

لقد بات من نافل القول الإشارة إلى المحترفات الفنية المتخصصة التي تعج بها الساحة الإبداعية الغربية، والتعامل مع الفنون الإبداعية بوصفها علم، وبوصفها خبرة حياتية إبداعية، يمكن نقلها بطريقة علمية منهجية مدروسة من جيل إلى جيل، ومن مبدع متمرس إلى متلق. ليس بصيغة درس الرياضيات التعليمي، ولكن بصيغة تقدير وفهم محركات الإبداع الشخصية، وتوجيهها المسار الصحيح، عبر صبها في قالب الشروط الفنية اللازمة للجنس الإبداعي. وفي ذلك تقول نجوى بركات في المقابلة المشار إليها أعلاه: «يأتي المشاركون إلى بيروت لمتابعة 4 ورش تقام كل 10 أسابيع تقريباً، تدوم أسبوعاً أو أكثر، وتتخللها متابعة ومراسلات وتواصل عبر الإنترنت».

إن صلة تنعقد على محمل احترام خصوصية المبدع في تجاربه الكتابية الأولى من جهة، ورعاية وتوجيه هذه التجارب لتسلك أفضل الدروب، هي صلة بالضرورة ستثمر أعمالاً جيدة. وهي صلة تنقل خبرات فنية لا يمكن لمحاضرة أو كتاب أن يقدمها، فما يقدمه الموجّه شيء من عالمه وخبرته، ولا أكون مبالغاً إذا قلت من روحه.