من المبكر جداً القول ما الذي ستعنيه نتائج الانتخابات الوطنية الحديثة العهد التي جرت في 7 مارس في العراق بالنسبة إلى ذلك البلد، أو بالنسبة إلى أمن الولايات المتحدة القومي. تبدو النتيجة للوهلة الأولى مفاجئة، إذ فاز ائتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي بمقاعد أقل من ائتلاف منافسه ورئيس الوزراء السابق إياد علاوي. لكن ذلك لا يعني أبداً بأن هذا الأخير سيحكم  العراق. بالنظر جزئياً إلى الفارق الضيق بين المرشحين البارزين (91 مقعداً لعلاوي، و89 للمالكي)، فما نشهده اليوم هو تزاحم جنوني بين الشيعة، والسُنّة، والأكراد؛ بين العلمانيين والمتعصبين دينياً؛ بين القوم الذين يحبون الولايات المتحدة وأولئك الذين يبغضونها؛ وبين تجار الأحصنة الذين يبادلون بكل شيء بدءاً من عائدات النفط المحتملة إلى مطالبات ملكية الأراضي... قد يستمر هذا الوضع لأسابيع، أو حتى يمتد إلى صيف بغداد الحار.        

Ad

لذلك لن تكون العملية المقبلة بسيطة... وفقاً لمايكل هانا، خبير في السياسة والقانون العراقيين في مؤسسة The Century Foundation، فإن الحكم الصادر عن إحدى المحاكم الفدرالية العراقية مثلاً يدل على أن انتصار علاوي في الانتخابات لا يضمن له حتى أول فرصة لتشكيل حكومة، وإذا ما حصد ائتلاف آخر مقاعد أكثر من "القائمة العراقية" بزعامة علاوي، فيسنتزع ذلك الامتياز منه، حتى إن حل علاوي في المرتبة الأولى، فمن غير الأكيد ما إذا كان يستطيع تشكيل ائتلافه الحاكم. يقول هانا: "إن انتصار علاوي ذو أهمية رمزية ويمثل أيضاً تجمعاً سياسياً بارزاً، لكن موقعه لا يخولنا معرفة إن كان سيُعيَّن رئيساً للوزراء، فهو والمالكي متعادلان بشكل أساسي مع دخولهما هذه المرحلة المقبلة".   

ما الذي يعنيه هذا الإرباك والغموض بالنسبة إلى الولايات المتحدة؟ ثمة خبر سار وآخر سيئ... فالخبر السار أن المسؤولين الأميركيين يشعرون عموماً بأنهم يستطيعون التعاون مع أي من المالكي أو علاوي، اللذين يعرفان بعلاقاتهما الطيبة مع واشنطن، لكن ذلك ينطبق أكثر على علاوي، زعيم سابق لإحدى حركات المعارضة العراقية في المنفى عمل عن قرب مع وكالة الاستخبارات المركزية قبل الحرب. فقد ضاقت الولايات المتحدة ذرعاً ببعض ميول المالكي الأخيرة لإثبات قوته، لكن ذلك لا يعني أيضاً أن علاوي مؤيد محض للسياسة الأميركية.

أمّا الخبر السيئ فهو أنه كلما استغرق العراق وقتاً طويلاً لتشكيل حكومة، صارت العملية عدائيةً، وزاد احتمال أن تكسب بعض الفصائل نفوذاً سياسياً عبر العنف، وهو ما حدث بعد الانتخابات الوطنية في البلاد في عام 2006، ما أشعل فتيل حرب أهلية مريعة في العراق. على الرغم من أن الرأي العام منقسم بشأن ما إذا كان هذا السيناريو سيتحقق، يستحيل استبعاد احتمال عودة فوضى سياسية دموية.

لكن تكمن ههنا نقطة غموض أخرى، فإن غرق العراق مجدداً في الفوضى، فكيف سيتصرف باراك أوباما؟ هل سيرجئ خطط سحب كل القوات العسكرية الأميركية من العراق بحلول نهاية أغسطس؟ بخلاف الاتفاق السابق بين الولايات المتحدة والعراق الذي ينص على سحب الجنود الأميركيين كافة من البلاد في نهاية العام المقبل، فإن الاتفاق الحالي عبارة عن جدول زمني يفرض نفسه ولا يستند إلى أي أساس قانوني. يُذكَر أن المسؤولين العسكريين الأميركيين الرفيعي المستوى كارهون لتطبيق جدول زمني للانسحاب على حساب احتمال انزلاق الاستقرار الذي قاتل أميركيون كثر وماتوا من أجله في فراغ أمني ناشئ، لكن من غير الواضح ما إذا كانت القوة الأميركية التي يبلغ عددها أقل من 90 ألفاً ستتمكن من الحفاظ على تماسك البلاد بأي حال. تطلّب الأمر ضعف ذلك العدد تقريباً لفرض الاستقرار في العراق خلال ذروة زيادة عدد الجنود، وذلك في وقت كانت فيه مجموعات متمردة كثيرة تتراجع.

لكن الأقل وضوحاً هو ما يدور في فكر أوباما بالضبط، فلعل دعمه للتصعيد في أفغانستان فاجأ بعض الناس، لكن ذلك جاء تطبيقاً لخطاب حملته في عام 2008. في المقابل، شكّل قرار الانسحاب من العراق جوهر حملة أوباما الترشيحية، وفضلاً عن ذلك، يميل فريق الأمن القومي الخاص بأوباما بشكل واضح نحو سياسة الصقور، لذا من السهل تخيل المستشارين والقادة يجادلون بأن خطر النفوذ الإيراني واحتياطيات النفط الواسعة في العراق ستتطلب تدخلاً عسكرياً أميركياً أطول لضمان الاستقرار والنفوذ الأميركي هناك.

يود أوباما بشدة تجنب مواجهة تلك الأسئلة، فبفضل الحظ، سيشكل العراق سلمياً حكومة أكثر أو أقل وديةً تجاه الولايات المتحدة، ما يعفيه من معاناة جدال متجدد بشأن خطط الانسحاب الأميركية، لكن لسوء الحظ، فإن العراق بلد غير محظوظ البتة.  

مايكل كرولي - Michael Crowley