وصل إلى البلاد سائقي الجديد بعد أن أنهى فحوصاته الطبية كافة في بلاده قبل أن يُعطى الموافقة على مغادرتها، وفي اليوم التالي بدأت معاملات التبصيم والفحص الطبي لطباعة إقامته على جوازه وإصدار البطاقة المدنية وبطاقة التأمين الصحي، وأخذت نتائج الفحص الطبي ثمانية أيام لتؤكد لياقته للقيام بالوظيفة المحددة له، أو هكذا اعتقدت.
في اليوم التاسع أرسلت جواز سفره وبطاقتي المدنية مع مندوب لختم الإقامة على الجواز وإصدار الهويات والبطاقات المطلوبة. شاءت الأقدار أن يمرض في اليوم التالي قبل أن أحصل على جوازه، فأرسلته مع سائق العائلة إلى مستوصف المنطقة مع نسخة من جوازه وهويتي وورقة تشرح سبب عدم وجود هويات معه، فاستقبلهما المستوصف وأجرى الفحوصات الأولية وقرر تحويله إلى المستشفى لخطورة حالته، فقد كان السكر وضغط الدم عنده مرتفعين، ويعاني إغماءً وتشنجاً عضلياً متكرراً مصاحبا بحرارة غير مبررة، ولكن المستشفى رفض استقباله لعدم وجود هوية، بل تم تهديد مرافقه بالسجن إن أحضره مرة أخرى، ورفض الموظف الحديث معي على الهاتف أو أن يقرأ الورقة التي أرسلتها ليتفهم خلفية الموضوع، وأثناء خروجهما اقترب منهما عامل نظافة وعرض عليهما إدخال المريض للطبيب مباشرة مقابل دينارين كرشوة!المأساة متعددة الأوجه... من ناحية هل يحدث هذا لكل وافد يكتب عليه أن يمرض قبل إنهاء معاملاته؟ ولنفترض أنه كان فعلا مقيما بطريقة غير شرعية، أليس من حقه الرعاية الصحية التي أقسم الأطباء على تقديمها دون تمييز حتى للأعداء في الحرب والأزمات؟ هل وصلت الرشوة والفساد إلى الخدمة الطبية في «الطوارئ» حيث الناس بين الحياة والموت؟ هل وصل بنا الأمر أن يكون عامل النظافة هو المتحكم بمستشفياتنا؟ولنضع المبادئ وحقوق الإنسان جانباً... العالم في حالة استنفار بسبب وباء إنفلونزا الخنازير، ونحن نترك الحالات المرضية (غير المفهومة بتقييم المستوصف) تسرح وتمرح في الشوارع دون تشخيص أو علاج؟ ماذا لو كانت حالته معدية وانتقل مرضه إلى أسرتي ومن تعامل معه؟ ماذا لو مات؟ من سيتحمل المسؤولية؟ الأهم، ما الداعي للفحوصات الطبية قبل وبعد حضوره إلى البلاد إن كانت لا تكشف عللاً مستديمة تؤثر في عمله كسائق؟هذه الحالة مجرد مثال لما يحدث في كل المستشفيات الحكومية للأسف. ولا يمكنني التعميم على كل الأطباء ولا حتى حصر اللوم في السيئ منهم، إنها العقلية والسياسة والإجراءات اللاإنسانية التي تسيطر على مؤسسات الدولة كافة وتشكل عقلية المواطن في كل مكان للأسف، تلك التي تضع الإجراءات في مكانة أعلى وأهم من حياة الإنسان، والتي ترى الوافد بشكل عام والعمالة الهامشية بشكل خاص كبشر من الدرجة الثانية لا يحق لهم ما يحق للكويتي، فمن فقد الأخلاق والمبدأ فقد الرحمة والإنسانية!
مقالات
أليسوا بشرا؟!
14-08-2009