عندما تشتد الأمور، وتدق طبول الحرب من الجهات الأربع المحيطة بإيران، وتهدد من الخليج إلى هرتزيليا بأنها قد تتعرض لهجوم ما في أي لحظة، بينما يرد ربان السفينة بالقول: «كما عودكم إمامكم المؤسس بأنه لا يقدم التنازلات لأحد فإنني باسمي وباسمكم أعدكم أيضا بأنني لن أقدم تنازلا لأحد».

Ad

عندما تعتبر واشنطن أن صعود إيران إلى الفضاء «استفزاز» كما جاء في الأنباء، في الوقت الذي يشرح فيه أحمدي نجاد بكل طمأنينة وهدوء بأننا لن نتمكن من هزيمة نظام الهيمنة الدولي إلا عبر الإمساك بناصية العلوم، نستطيع عندها أن نصف بدقة ماذا يحصل في منطقتنا منذ ثلاثة عقود.

إنها معركة الاستقلال الفكرية الشاملة التي لا يريد أن يفهمها بعض أبناء جلدتنا العربية والإسلامية، فيما يكابر الغرب العنصري والاحتكاري عن الإذعان لها.

بعد التأسيس بأشهر قليلة قالها الإمام الخميني الراحل بلغة التشديد وهو يخاطب الكادر والنخبة السياسية في البلاد: «لقنوا أنفسكم أنكم قادرون وستكونون فعلا قادرين».

قبلها وهو عائد من باريس إلى أرض الوطن على طائرة الإيرباص الفرنسية الشهيرة، وعندما سأله الصحافي الغربي عن شعوره وهو يتجه في هذه اللحظات إلى إيران رد بالقول: «لا شيء».

بهت الصحافي الغربي في حينه، لكنه لم يتمكن أيضا من استيعاب ما قصده الإمام، وربما ظن أن هذا الزعيم الشرقي لم يستطع التعبير عما يدور في خلجاته بلغة السياسة أو الإعلام مثلا كما فكر الكثيرون من أبناء جلدتنا المتعلمين في الغرب أيضا.

لكن الذين يعرفون الخميني عن قرب ولازموه أكثر أيام حياته، وكانوا معه على الطائرة الشهيرة تلك، وعندما استمعوا إلى الصحافي الغربي المرافق وهو يشرح بذهول مدى طمأنينة ورباطة جأش واستقرار نفس الإمام وهو يصلي الصبح في الطائرة، ربطوا بين قول الإمام وفعله، فإذا بالصحافي الغربي يذهل من جديد، ويعترف بعجزه وقدرته على فهم وإدراك سلوك ذلك الشيخ الجليل.

سبعة أشهر أو يزيد على محاولة الانقلاب المخملية التي سقط فيها العديد من الخواص و«النخبة» الإيرانية وبعض الطبقة السياسية التي حكمت إيران على مدى العقود الثلاثة الماضية، والإمام السيد علي خامنئي لم يرف له جفن، وهو يستمع إلى التقارير التي كانت تهول وتزبد وترعد وتحذر من أخطار سقوط إيران وانهيار النظام، وكان جوابه واحداً على الدوام: «اطمئنوا لا شيء من هذا سيحصل».

وها هي ذكرى الحادي عشر من شباط/فبراير التي هزت عرش الطاغوت الأكبر تعود من جديد لتحتفل فيها الجماهير المليونية الإيرانية، وهذه المرة بشكل لا نظير له رغم ضجيج البائسين والسذّج من أصحاب الغفلة الكبيرة منهم والصغيرة.

إنه المنهج الحسيني الكربلائي، ونحن نعيش أيام أربعين هذا الإمام الثائر، هذه الأيام وكما ورد في الزيارة المشهورة له: «إنك جاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين».

نعم إنه اليقين، ولا غير، هو الذي يجعل رجل السياسة أو رجل الدولة والحكيم أو القائد لجماعة ما يرفض أي خضوع أو تنازل أو تراجع عن المبادئ مهما كان الموقف المحيط حرجا.

ها هي إيران إذن تثبت للعالم، وعن جدارة تماما، كما طالبها الإمام المؤسس بأنها قادرة بالفعل على انتزاع استقلالية قرارها، ليس فقط في السياسة الخارجية وتوطين التكنولوجيا النووية، بل في غزو الفضاء هذه المرة والإمساك بناصية علوم العالم الأهم بثبات ويقين.

وهذا هو بالضبط ما يجعل الغرب الاستعلائي وجماعة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية من طلاب العسكرة والحروب يستشيطون غضبا كلما ذكر لهم اسم إيران.

ببساطة لأنه لم يكن مسموحا قبل ذلك أن يخرج أحد على المألوف والمشهور والمعتاد في العلاقات الدولية، فإذا بدولة عالمثالثية مستقلة ومسلمة أيضا تفاجئهم ليس فقط بالخروج على تلك المعادلة المفروضة، بل تطالب بسهمها وحصتها في إدارة شؤون عالم جديد تقول إنها ستكون من صنّاعه عن قريب، ومعها دول وقوى حية من قوى المقاومة والممانعة العربية والإسلامية.

ببساطة العارفين والعقلاء من أصحاب اليقين فقد فاجأهم الخميني الكبير قبل ثلاثة عقود في مثل هذه الأيام من عام 1979 وغيّر وجه المنطقة، وها هو اليوم خلفه الإمام السيد علي خامنئي الذي بدا وكأنه ليس فقط قادراً على الإمساك بتلابيب اللعبة الداخلية في بلاده مهما حاول خصومه العبث بها، بل كذلك الإمساك باللعبة الإقليمية مهما حشدوا ومهما أزبدوا وأرعدوا، وهو على يقين بأنه سيغير وجه المنطقة أيضا تماما كما فعل سلفه الإمام روح الله الموسوي الخميني.

لا لعبة المنصات الصاروخية ستنفعهم لأنها قابلة للتفكيك بحرب التشويش الإلكتروني التي بات يمسك بقواعدها الجيش الإيراني، ولا لعبة دبابة الميركافا قادرة على تحقيق أي من أهدافها بعد أن أنجزت قوات حرس الثورة الإسلامية سلاحا متطورا مضادا لطائرات الأباتشي وأنواع الدبابات المتطورة.

وأما سفنهم وبوارجهم فهي لم تعد سوى صيد سهل للصواريخ الإيرانية المتطورة، هذا فضلا عن جنودهم وضباطهم المنتشرين في الجهات الإيرانية الأربع.

صحيح أنهم يملكون قوة تدميرية كبرى، قد لا تملكها إيران، لكن الصحيح أيضا وكما قلنا ثمة قوة أكبر تصلح للصمود كما للانتصار ألا وهي قوة اليقين، فما بالك إذا كانت مسلحة بآخر ما توصل إليه الغرب من لعبة التكنولوجيا وعلومها على السواء.

العالم في عام 2010 على موعد مع التغيير فعلا، لكنه ليس بالضرورة من نوع التغيير الذي نادى به أوباما، فالجميع يستعد للمنازلة وإن لم يحن موعد الحرب في نظرنا بعد.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة