عقدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ورشة عمل لمناقشة القضايا المتعلقة بالأشخاص عديمي الجنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العاصمة الأردنية خلال الفترة من 18- 19 فبراير الجاري، وبمشاركة نخبة من كبار المسؤولين في الأمم المتحدة على هذا الملف ومجموعة كبيرة من ذوي الخبرة والنشاط العام من المدافعين عن حقوق هذه الشريحة من البشر في هذا الإقليم، وكان لي شرف حضور هذا الملتقى الذي يعتبر الأول من نوعه في تحريك قضية "البدون" على مستوى الأمم المتحدة.

Ad

ولقد فوجئت خلال هذا اللقاء بجملة من المعلومات التي أجد لزاماً عليّ نقلها إلى المعنيين في ملف البدون في الكويت على المستوى الحكومي والبرلماني ومؤسسات المجتمع المدني، وأولى هذه المفاجآت أن المفوضية السامية لديها كم هائل من البيانات حول قضية البدون، وأنها تتابع هذا الملف باهتمام كبير، بل إن أحد المسميات الرسمية للأشخاص عديمي الجنسية على مستوى العالم أصبحت كلمة "البدون" نسبة إلى الكويت! وهذا يعني أن سمعتنا العالمية باتت على المحك وبشكل سلبي، بل الأكثر من ذلك تحولت قضية "البدون" الكويتية إلى نمط معياري تقاس عليه المشاكل المشابهة في الدول الأخرى.

والمفاجأة الأخرى التي أتمنى على أصحاب الشأن الاطلاع عليها عن قرب هي مدى انتشار ظاهرة "البدون" في العالم، حيث دأبت بعض الأقلام، والأصوات المعارضة لعلاج مشكلة "البدون" على خلق ثقافة مجتمعية مفادها أن "البدون" مجرد ادعاء في الكويت، وليس لهذه القضية مثيل في الدول الأخرى، وأن كل إنسان معروف أصله وفصله وانتماؤه وجنسيته، وأن البدون ليسوا "طراثيث" نبتوا على أرض الكويت من العدم! ومع الأسف الشديد فقد انطلت هذه الأقاويل على الكثير من المواطنين في الكويت، وتم تعبئتهم ضد أي محاولات لحلحلة هذه القضية المعقدة.

ولذلك، فإنني أناشد الجميع متابعة الإحصاءات والدراسات الواردة في موضوع "البدون"، لندرك أننا لسنا وحدنا المبتلين بهذه المشكلة، رغم تداخل الكثير من الأوراق واختلاطها بسبب الإهمال والتقاعس الحكومي للمشكلة على مدى نصف قرن من الزمن، ومن المعلومات العالمية في هذا الصدد أن عدد "البدون" في العالم يبلغ حوالي 175 مليون إنسان موزعين على أكثر من 90 دولة في شرق الدنيا وغربها وشمالها وجنوبها، وفي أغنى الدول وأفقرها وفي أكثرها تقدماً وتخلفاً، ولهذا فإن "البدون" ليسوا مجرد نبتة شيطانية إنما هم ظاهرة عالمية خلفتها الحروب، وتداخل الحدود الجغرافية، والهجرات، والإقامات الطويلة الأجل، إضافة إلى التمييز بكل أنواعه، والتلاعب بقوانين الجنسية في العديد من دول العالم.

والمفاجأة الثالثة تكمن في وجود العديد من الاتفاقيات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، والداعية إلى الحد من الظاهرة في إطار مبادئ حقوق الإنسان واحترام الذات البشرية، وفي طليعة هذه الاتفاقيات ما يعرف بالوثيقة الدولية الأساسية التي تستهدف تنظيم الأشخاص عديمي الجنسية وتحسين وضعهم، وضمان منحهم حقوقهم وحرياتهم الأساسية دون تمييز لعام 1954، والتي وقعت عليها 75 دولة في العالم حتى الآن، وأتمنى أيضاً ممن قلبوا الدنيا رأساً على عقب بعد تقديم الاقتراح بقانون بشأن الحقوق المدينة لـ"البدون" مراجعة نصوص الاتفاقية الدولية ليروا البعد الإنساني والأممي والحضاري لهذا القانون، بعيداً عن أي مزايدات سياسية أو اجتماعية.

وأخيراً، كنا على الدوام نقول بضرورة حل مشكلة "البدون" في إطار وطني يأخذ بعين الاعتبار مصلحة بلدنا ورعاية ثوابتنا القومية والشرعية والإنسانية، وإعطاء كل ذي حق حقه قبل أن يُمّلى علينا أي حل خارجي، وها هي الأمم المتحدة تتحرك اليوم باتجاه هذا الملف، ولا أدري بأي حجة سنواجه هذه المنظمة الدولية التي نشيد بمواقفها واتفاقياتها، وأنها كانت بعد الله سبحانه وتعالى بوابة تحريرنا من العدوان العراقي عام 1990؟!